كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الجلسة الأولى لقمة مجموعة العشرين حول “الشمول الاجتماعي ومكافحة الجوع والفقر” في البرازيل تمثل محطة هامة في التأكيد على رؤية مصر للعالم في مواجهة التحديات الكبرى، وتحديدًا تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. هذه الكلمة جاءت في لحظة تاريخية تتزايد فيها الأزمات العالمية، مما جعلها تعبيرًا عن موقف استراتيجي من مصر يعكس تطلعاتها لمستقبل أفضل ليس فقط لمواطنيها، بل للعالم أجمع.
التحية والشكر وتقدير الجهود
استهل الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته بتقديم التحية والشكر للرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا”، مشيدًا بدعوته الكريمة لمصر للمشاركة في هذه القمة الهامة. كما أثنى على الجهود التي تبذلها البرازيل في ظل قيادتها لمجموعة العشرين، خصوصًا بعد إطلاق “التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع”. لم يكن حديث الرئيس مجرد إشادة تقليدية، بل جاء ليعكس تقديرًا حقيقيًا للجهود الرامية إلى مواجهة مشكلة عالمية تعكس حجم عدم المساواة الذي يعاني منه العالم اليوم. وجاء إعلان مصر عن انضمامها لهذا التحالف كدليل واضح على التزامها الصادق بتحمل مسؤوليتها في مكافحة هذه الآفة الإنسانية، إيمانًا منها بأهمية التصدي لها بصورة جماعية ومنسقة.
الأوضاع في فلسطين ولبنان: صوت مصر من أجل السلام والإنسانية
وفي سياق حديثه عن تحديات عدم المساواة، حرص الرئيس السيسي على تسليط الضوء على الأوضاع المأساوية في فلسطين ولبنان نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة. لم يكن الأمر مجرد حديث سياسي تقليدي، بل حمل رسالة إنسانية عميقة، مشيرًا إلى الأثر الكارثي لهذه الحرب على المدنيين العزل الذين يعيشون في ظروف معيشية غاية في السوء. أكد الرئيس على ضرورة التدخل الفعّال لوقف هذه المأساة التي تمثل نموذجًا حيًا للفشل في تحقيق العدالة الإنسانية، ودعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في وقف التصعيد وإنقاذ أرواح الأبرياء. رسالة الرئيس حملت في طياتها تأكيدًا على دور مصر الدائم في دعم قضايا السلام وحقوق الإنسان، مع الالتزام بتحقيق الاستقرار في المنطقة.
مواجهة التحديات التنموية: نظرة شاملة ومتوازنة
انتقل الرئيس السيسي بعد ذلك للحديث عن التحديات التنموية التي تواجه العالم، مشيرًا إلى أن هذه التحديات أصبحت معقدة أكثر من أي وقت مضى. فزيادة الفجوة التنموية، وتعميق الهوة الرقمية والمعرفية، ونقص التمويل، ومشاكل الديون في الدول النامية هي قضايا ملحة تحتاج إلى جهود مشتركة ومضاعفة. أوضح الرئيس السيسي أن الاستجابة لهذه التحديات تتطلب إرادة سياسية قوية وحشدًا للجهود الدولية من أجل إعادة تقييم النهج الدولي الحالي في التعامل مع قضايا التنمية المستدامة. وأكد على أهمية تجديد الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر شراكات دولية متوازنة تأخذ في الاعتبار حقوق الدول النامية واحتياجاتها المتزايدة.
وفي إطار هذه الرؤية، شدد الرئيس على أن القضاء على الفقر والجوع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تعزيز التعاون الدولي وتقديم الدعم اللازم للدول النامية، بما يشمل توفير التمويل الميسر لتنفيذ مشاريع التنمية الكبرى، ونقل التكنولوجيا الحديثة وتوطينها، والاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي. هذه الرؤية تبرز حرص مصر على المساهمة في بناء عالم أكثر عدالة وتكافؤًا، مع الدعوة إلى حلول مبتكرة تعزز من قدرة الدول على تلبية احتياجات مواطنيها.
الأمن الغذائي: محور رئيسي في أجندة مصر
لم يكن حديث الرئيس السيسي عن الأمن الغذائي مجرد إشارات عابرة، بل كان انعكاسًا لأهمية هذا الملف في استراتيجية مصر الوطنية والدولية. دعا الرئيس إلى إقامة مركز عالمي على أرض مصر لتخزين وتوزيع الحبوب والمواد الغذائية، مشيرًا إلى أن مثل هذا المركز سيعزز من الأمن الغذائي العالمي، ويحسن من كفاءة سلاسل الإمداد الغذائية. هذه الدعوة تمثل إشارة إلى رؤية مصر لدورها المحوري في تحقيق الأمن الغذائي، ليس فقط لشعبها بل للعالم أجمع، وتأكيدًا على استعدادها للعب دور رئيسي في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال.
مشروع “حياة كريمة”: نموذج مصري للشمول الاجتماعي
أبرز الرئيس السيسي في كلمته جهود مصر الحثيثة في مجال التنمية الاجتماعية والبشرية، مستعرضًا مشروع “حياة كريمة” العملاق، الذي يهدف لتحسين مستوى معيشة نصف سكان مصر، خاصة في المناطق الريفية. المشروع يهدف إلى تطوير حياة حوالي 60 مليون مصري من خلال تحسين البنية التحتية، وتوفير فرص العمل، والارتقاء بمستوى الخدمات العامة. يعد هذا المشروع نموذجًا بارزًا للتنمية الشاملة والشمول الاجتماعي، ويعكس إيمان الدولة المصرية بأن التنمية تبدأ من القاعدة، عبر تحسين حياة المواطنين البسطاء وتوفير الفرص لهم للعيش بكرامة.
دعوة للتعاون الدولي وبناء مستقبل أفضل
اختتم الرئيس السيسي كلمته بدعوة صادقة ومخلصة للمجتمع الدولي للتكاتف والعمل معًا من أجل صياغة حلول عملية لمواجهة الفقر والجوع. وأكد على ضرورة تحمل المسؤولية المشتركة لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، مشددًا على أن هذه القمة ليست فقط ساحة للنقاش، بل فرصة للعمل الجاد من أجل تحقيق التغيير الإيجابي. رؤيته تجسد طموح مصر في تعزيز العدالة الاجتماعية وإرساء دعائم التنمية المستدامة، وتأكيدها على دورها الريادي في دعم الإنسانية والوقوف بجانب القضايا التي تمس حياة ملايين البشر حول العالم.
كلمة الرئيس السيسي حملت معاني عميقة ومواقف واضحة، معبرة عن التزام مصر بقيم التضامن الإنساني، ودورها كمحرك قوي في الساحة الدولية من أجل تحقيق عالم أكثر عدالة ومساواة، يتشارك فيه الجميع التحديات والفرص على حد سواء.