قالت ماما بحزم واضح:
“مينفعش رجائي يروح معاكي وانتِ بتشترِى فستان الفرح، أو حتى يشوفه غير يوم الزفاف!”
لم يكن هناك مجال للمساومة. حاولتُ إقناعها بأن تذهب معي لاختيار قماش الفستان، لكنها تمسكت برأيها وساقت عشرات الأسباب، أبرزها أن رؤية العريس لفستان الزفاف قبل اليوم الكبير يعتبر نذير شؤم، قد يؤدي للفراق بيننا.
ابتسمتُ، بين دهشة وتسلية، وسألتها بثقة: “يعني ممكن فستان يفرق بيني وبين رجائي؟ مستحيل!”
لكنها كررت كلماتها المليئة بالقلق، واقترحت أن أصطحب واحدة من أخواتي أو صديقاتي، مستثنية رجائي من الفكرة تمامًا. لم أستطع سوى السخرية من هذه التقاليد العتيقة، وقلت لها: “أنتِ الأقرب لي، أريدك معي في كل خطوة، نختار معًا القماش والتاج وكل التفاصيل. فلماذا لا يكون رجائي جزءًا من هذا الاختيار؟”
ذكّرتها بلحظاتنا السعيدة قبل الخطوبة، حين كنا نجوب الأسواق لشراء ملابسنا، لكنها ردت بحسم: “الخطوبة شيء، والزفاف شيء مختلف تمامًا. لا يُرى الفستان ولا الطرحة إلا يوم الزفاف!”
بإصراري وعنادي المعتاد، لم تتوقف النقاشات بيننا، حتى اعتادت أن توافق على اقتراحاتي وإن كانت تراها “شطحًا” بالنسبة لعاداتها.
شهر نوفمبر 1985، كان شهراً مزدحماً بالأحداث والتحديات. تحملتني أمي بصبرها الواسع، ومنحتني من حنانها وحكمتها. كنتُ أنا ورجائي نبحث عن التيسير والبساطة في كل تفاصيل الزفاف، لكننا كنا نصطدم بالعادات التي توارثناها جيلاً بعد جيل. ومع ذلك، استطعنا بالإقناع والتفاهم أن نُحدِث تغييرًا يوافق طموحاتنا.
إحدى العقبات التي واجهناها كانت “الكوشة” التقليدية التي يُصر العرسان على الجلوس فيها حتى نهاية الحفل. رفضنا هذه الفكرة، وفضلنا التواجد وسط ضيوفنا ومشاركتهم الفرح بحرية. وعندما قلبتُ في صور الزفاف، وجدت القليل من الصور الثابتة، بينما كانت اللحظات الحقيقية عندما كنا بين الأهل والأصدقاء، نحتفل بلا قيد أو حواجز.
المطالب التقليدية لم تتوقف، بعضها كان صغيرًا، وآخر أكبر، لكنها جميعها انتهت برضانا وتقدير عائلتينا لرغباتنا. أقدر ما فعله الأهل، فقد كانوا كرماء في دعمهم لنا، ووقعوا بالحروف الأولى على تجربتنا المميزة.
ورغم ذلك، كانت تنتابني أحيانًا مشاعر مختلطة. بين إعجابهم بحبنا وبين تخيلات عابرة بأنهم يرون الزواج وسيلة “للتخلص مني” وإنهاء مغامراتي التي بدأت قبل التفكير الجدي بالزواج. لكن حين اكتسب الحب مساحة حقيقية في حياتي، تبددت تلك الهواجس، وتحولت لمصدر ضحك خفيف.
أتذكر وجه أمي الحنون، وملامحها التي أرهقتها الأيام وهي تعمل لإسعادي، فيما كان الخوف دائمًا رفيقها. أدركت لاحقًا أن خلف شخصيتها الصارمة كانت تخبئ حبًا وتقديرًا عميقًا للحب نفسه.
#حشتيني_يا_ماما
#وحشتني_يا_رجائي
… وللحديث بقية…