منذ قيام الثورة الخومينية في إيران عام 1979، ومع صعود آيات الله إلى سدة الحكم في طهران، أصبح النظام الإيراني قوة إقليمية ودولية تلعب دورًا محوريًا في الشرق الأوسط، مع طموحات تمتد إلى الهيمنة السياسية والعسكرية في المنطقة. لكن على الرغم من تلك الطموحات، فإن هناك العديد من القوى التي تسعى إلى إسقاط هذا النظام، سواء كانت دولًا إقليمية أو قوى عالمية أو حتى الشعب الإيراني نفسه. فكل طرف من هذه الأطراف لديه دوافعه الخاصة، ورؤيته حول كيفية التخلص من “نظام الملالي” الذي يراه تهديدًا مباشرًا لمصالحه وأهدافه الاستراتيجية.
- الشعب الإيراني: أول وأهم القوى الساعية للتغيير
إن أول من يسعى إلى إسقاط النظام الإيراني هم الشعب الإيراني ذاته، الذي يعاني منذ عقود من سياسات القمع والفساد التي يمارسها النظام. منذ الثورة المشؤومة، وبعدها بدأت كل يوم الحريات السياسية في إيران تتقلص بشكل مستمر، وقد جابهت الحكومة الإيرانية عدة انتفاضات وحركات احتجاجية تطالب بالتغيير السياسي والاقتصادي. في عام 2009، شهدت إيران احتجاجات ضخمة بعد انتخابات الرئاسة المتنازع عليها، وهو ما أصبح يعرف بثورة الخضر، حيث خرج الإيرانيون إلى الشوارع مطالبين بإصلاحات سياسية حقيقية. ثم تكرر الأمر في عام 2017، عندما اندلعت احتجاجات ضد سوء الأوضاع الاقتصادية، وبعدها في 2019، حيث خرج الإيرانيون مجددًا للاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود وتدهور مستويات المعيشة.
لكن الاضطرابات التي يشهدها الشعب الإيراني ليست فقط بسبب الأوضاع الاقتصادية، بل أيضًا بسبب القمع السياسي الذي يمارسه النظام. فالنظام الإيراني يحارب كل دعوة للتغيير بالقوة، حيث يتم اعتقال المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين، في وقت يشهد فيه المجتمع الإيراني تزايدًا في الحركات الشبابية التي تطالب بالحرية والديمقراطية. و أصبحت الدعوات إلى إسقاط النظام جزءًا من ثقافة المعارضة في إيران، حيث يرى الكثيرون في النظام الملالي حجر عثرة أمام التقدم والازدهار.
ومن الواضح أن هناك استياءً واسعًا من السياسات الإقليمية الإيرانية، حيث يرى الشعب الإيراني أن الأموال التي يتم إنفاقها على تدخلات إيران في سوريا والعراق ولبنان، بدلاً من الاستثمار في تطوير البنية التحتية والاقتصاد المحلي، هي من أسباب تدهور وضعهم الاقتصادي والاجتماعي.
- حكام الشرق الأوسط: خوف من الهيمنة الإيرانية
بينما يسعى الشعب الإيراني للتغيير الداخلي، فإن حكام الشرق الأوسط يعتبرون إسقاط النظام الإيراني أولوية استراتيجية. هؤلاء الحكام، الذين يتخذون موقفًا معاديًا لهيمنة طهران، يعتقدون أن استمرار النظام الإيراني في تهديد الاستقرار الإقليمي سيؤدي إلى تغيير التوازن الطائفي والسياسي في المنطقة لصالح الشيعة. يعتبر هؤلاء الحكام أن إيران قد تستخدم قوتها الإقليمية في توجيه شعوب المنطقة نحو التشييع، وهو ما يشكل تهديدًا على حكوماتهم السنية.
الدول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والعديد من دول مجلس التعاون الخليجي، ترى في إيران تهديدًا وجوديًا بسبب الدعم الإيراني للجماعات المسلحة مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، والمجموعات الشيعية في العراق. هذا التوسع الإيراني عبر وكلائه الإقليميين يزيد من مخاوف هذه الدول من إمكانية تحوّل شعوبها إلى تبني المذهب الشيعي، مما يهدد استقرارهم السياسي والاجتماعي.
- الولايات المتحدة الأمريكية: هدف استراتيجي لإضعاف إيران
على مدار العقود الأخيرة، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقويض النظام الإيراني. أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت واشنطن إلى هذه السياسة هو أن النظام الإيراني يهدد مصالحها في المنطقة، سواء من خلال دعمه للإرهاب أو طموحاته النووية. خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب، تصاعدت الدعوات لإسقاط النظام الإيراني، حيث أكد ترامب في عدة مناسبات أنه لن يسمح لطهران بامتلاك أسلحة نووية. و تم اتخاذ خطوات صارمة ضد إيران، بدءًا من الانسحاب من الاتفاق النووي في 2018، مرورًا بفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، وصولًا إلى دعم المعارضة الإيرانية داخليًا.
من المعروف أن الإدارة الأمريكية السابقة تحت قيادة ترامب كانت قد وضعت خططًا سرية للتعامل مع إيران، بما في ذلك دعم الحركات المعارضة، وفرض المزيد من الضغوط الاقتصادية. وكان من بين أبرز مستشاري ترامب، مايك والتز، الذي كان يصر على ضرورة تكثيف الضغط على إيران، بل واقترح بعض الخطط العسكرية للتعامل مع التهديد الإيراني.
- إسرائيل: التهديد الوجودي والتعاون مع الولايات المتحدة
إسرائيل ترى في النظام الإيراني تهديدًا وجوديًا. منذ بداية الثورة الإيرانية، تعتبر تل أبيب إيران عدوًا خطيرًا، ويعود ذلك إلى دعم إيران المستمر لجماعات مسلحة معادية لإسرائيل في المنطقة مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، فضلاً عن برنامجها النووي الذي تهدد به أمن إسرائيل.
بجانب الدعم الأمريكي، تعمل إسرائيل على تعزيز تحالفاتها مع الدول العربية السنية التي تشاركها القلق من النفوذ الإيراني. وقد تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو سياسة صارمة ضد إيران، كان أبرز ملامحها استخدام العمليات الاستخباراتية والضغوط الدولية لعرقلة برنامج إيران النووي. كما أن إسرائيل لم تتردد في تنفيذ عمليات عسكرية ضد المنشآت الإيرانية في سوريا وداخل إيران نفسها، في محاولة للحد من تأثير إيران في المنطقة.
- أوروبا: مصالح اقتصادية وأمنية
أما على مستوى أوروبا، فإن القارة العجوز ليست بعيدة عن التهديدات التي يشكلها النظام الإيراني. في السنوات الأخيرة، خاصةً بعد التصعيد الأخير في الصراع اليمني، تأثرت بعض الدول الأوروبية بشكل مباشر بسبب الهجمات الإيرانية على مصالحها الاقتصادية، مثل تهديدات الحوثيين لضرب طرق التجارة الدولية في البحر الأحمر. الهجمات على السفن الأوروبية والتي كانت مدعومة من إيران عبر الحوثيين، كان لها تأثير كبير على الاقتصاد الأوروبي.
من جهة أخرى، فإن تصاعد الأنشطة العسكرية الإيرانية في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق، يشكل تهديدًا للأمن الأوروبي، إذ يعتقد البعض في أوروبا أن إيران تستغل هذه الأراضي لتدريب وتمويل الجماعات التي يمكن أن تمثل تهديدًا لمصالحهم.
- التحالفات الدولية وأسباب استمرار الضغط على النظام الإيراني
مؤخرا، يزداد التعاون بين الدول التي تتبنى مواقف معادية للنظام الإيراني، مما يعزز من فرص إسقاط هذا النظام في المستقبل. التحالفات بين الولايات المتحدة، إسرائيل، بعض دول الخليج، والدول الأوروبية، تُعتبر في مجملها تكتلاً دوليًا يسعى للضغط على إيران لتغيير سياساتها الإقليمية والدولية. ومع استمرار نظام الملالي في ممارساته، يبقى هدف هذه الدول هو تعزيز الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية للإطاحة بهذا النظام، لوقف تأثيراته السلبية على استقرار المنطقة وأمن العالم.
الخلاصة: التحولات السياسية القادمة
إسقاط النظام الإيراني ليس مهمة سهلة، بالنظر إلى تعقيدات الوضع الداخلي والخارجي في إيران. لكن القوى الداخلية من الشعب الإيراني، إضافة إلى القوى الخارجية مثل حكام الشرق الأوسط، الولايات المتحدة، إسرائيل، وأوروبا، يسعون جاهدين لتحقيق هذا الهدف من خلال وسائل متعددة. سواء كان ذلك عبر العقوبات الاقتصادية، الضغط العسكري، أو الدعم السياسي للمجموعات المعارضة داخل إيران، تظل إيران في مرمى الاهتمام الدولي والإقليمي. وفي الوقت الذي يبذل فيه الشعب الإيراني جهدًا كبيرًا للضغط على النظام من الداخل، فإن الخوف من التحولات الطائفية والسياسية يشعل صراعًا بين القوى الكبرى في المنطقة.