“صفقة القرن” هي واحدة من أكثر الخطط السياسية المثيرة للجدل، حيث طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2020 بهدف إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تتضمن هذه الصفقة تصوراً شاملاً لحل القضايا العالقة بين الجانبين، مثل حدود الدولة الفلسطينية، القدس، المستوطنات، وحقوق اللاجئين، بالإضافة إلى أبعاد تطبيعية وإقليمية تهدف إلى إعادة تشكيل العلاقات العربية-الإسرائيلية. ورغم ما حملته الخطة من طموحات للسلام، إلا أنها أثارت جدلاً واسعاً بسبب مضامينها التي رأى كثيرون أنها تميل لصالح إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية.
أبرز بنود صفقة القرن التي عرضها ترامب عام 2020:
1- دولة فلسطين:
تتحدث الخطة عن أراضٍ فلسطينية تعادل في حجمها الأراضي الفلسطينية بعد حدود 1967. لكن فعلياً، وفق الخريطة المعروضة، تحتفظ إسرائيل بمعظم الضفة الغربية، ويبقى عدد من الأراضي غير متصلة وغير قابلة للحياة.
السيادة:
• تحتفظ إسرائيل “بالمسؤولية الأمنية الشاملة” عن دولة فلسطين، التي ستكون “منزوعة السلاح بالكامل”.
• سيكون للفلسطينيين قوات أمن داخلية خاصة بهم.
• تسيطر إسرائيل على الحدود وتراقب جميع المعابر.
• هذا يعني عملياً عدم وجود سيطرة أو سيادة فعلية للفلسطينيين على دولتهم.
2- القدس:
تُمنح القدس بكاملها، بما في ذلك القدس الشرقية، لإسرائيل، مع السماح للفلسطينيين بإقامة عاصمتهم في منطقة أبو ديس قرب القدس. ويسمح للمصلين من جميع الأديان بالصلاة.
3- المستوطنات:
لن يتم التخلي أو تفكيك أي مستوطنة، وستصبح جميع المستوطنات والأراضي المضمومة حقاً لإسرائيل.
4- اللاجئون:
لن يكون هناك حق العودة لأي لاجئ فلسطيني أو استيعابهم في دولة إسرائيل.
يُسمح للاجئين الفلسطينيين بالعيش في دولة فلسطين، أو الحصول على جنسية الدول التي يعيشون فيها، أو الاستيعاب في بلدان أخرى.
5- التزامات إسرائيل:
لن تنفذ إسرائيل التزاماتها بموجب الخطة إلا إذا:
• تم نقل السيطرة الكاملة على قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية أو كيان آخر مقبول لدى إسرائيل.
• يجب نزع سلاح حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة وفي فلسطين عموماً.
الشق المرتبط بالتطبيع وتغيير السرديات:
1- ضرورة البدء بالتطبيع “على الفور”:
تعترف الوثيقة بأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يعيق التطبيع مع الدول العربية الأخرى، لكنها تلحّ على البدء في التطبيع “فوراً” للضغط نحو حل الصراع و”منع المتطرفين من استخدامه لزعزعة استقرار المنطقة”.
2- “التطبيع للمنفعة الإقليمية”:
تشير الوثيقة إلى أن “إسرائيل وجيرانها العرب لديهم تصورات متشابهة بشكل متزايد حول التهديدات الأمنية” (مثل إيران)، لذا فإن التطبيع يشمل تسهيل الرحلات الجوية والتبادل التجاري والفرص السياحية، مما يخدم المنطقة.
3- تغيير السرديات:
• يجب تحويل السردية بحيث يكون الصراع بين “القادة الذين يسعون إلى تحسين حياة شعوبهم وأولئك الذين يستغلون الدين والأيديولوجيا لإثارة الصراع”.
• تتبنى الوثيقة سردية “المساواة في الظلم والحقوق” بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود، وتتحدث عن ضرورة تعويض اللاجئين اليهود الذين تم تهجيرهم من الدول العربية.
ثقافة السلام:
تتحدث الوثيقة عن “ثقافة السلام”، وتتطلب وقف التحريض، بما في ذلك في وسائل الإعلام، ووضع حدّ لتمجيد العنف والشهادة.
• المطلوب من العرب والفلسطينيين “حظر الدعاية المعادية وتغيير المناهج المدرسية بما يعزز هدف اتفاق السلام”.
شيطنة المقاطعات:
تدعو الوثيقة إلى إنهاء “أي مقاطعة لدولة إسرائيل”، وتعتبر الولايات المتحدة “حركة المقاطعة مدمرة للسلام”.
قضية اللاجئين:
1- مصير اللاجئين الفلسطينيين:
تقدم الخطة ثلاثة خيارات للاجئين الفلسطينيين الراغبين في الإقامة الدائمة:
أ- الاستيعاب داخل دولة فلسطين مع عودة محدودة، باستثناء اللاجئين في سوريا ولبنان.
ب- الاندماج في البلدان المضيفة الحالية (بموافقة تلك البلدان).
ج- قبول 5000 لاجئ سنوياً لمدة تصل إلى عشر سنوات في كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
2- التعويضات:
• لا تقدم الخطة تعويضات مالية مقابل توطين الفلسطينيين في البلدان المضيفة، لكنها تتحدث عن قروض لتحسين البنية التحتية.
• تطالب الوثيقة بمعالجة قضية اللاجئين اليهود وتعويض إسرائيل عن تكاليف استيعابهم.
كيف وصلنا لصفقة القرن؟
أولاً: اللوبيات الضاغطة:
1- اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الذي جعل من إسرائيل قضية تتجاوز الانقسام الحزبي.
2- “المسيحية الصهيونية” التي تؤمن بضرورة قيام دولة إسرائيل لعودة المسيح ومحاربة الشر.
ثانياً: وثيقة عام 1995:
• تم وضع “تفاهم بيلين-أبو مازن” الذي نفى الفلسطينيون الموافقة عليه، ورغم ذلك، حاول الرئيس كلينتون البناء عليه.
تفاصيل الوثيقة:
• توسيع حدود القدس وضم مناطق مثل أبو ديس كعاصمة للفلسطينيين.
• تبادل الأراضي وترتيبات أمنية.
• حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عبر هيئة دولية جديدة لتحسين أوضاعهم.
تفاصيل وثيقة “تفاهم بيلين-أبو مازن”:
• توسيع حدود القدس:
تشمل الخطة توسيع الحدود البلدية للقدس، وإنشاء مجلس مدينة شامل، يضم منطقة أبو ديس وقرية العيزرية وبعض القرى المجاورة، بحيث تكون هذه المنطقة عاصمة للدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها.
• وضع القدس:
تظل القدس موحدة وغير مقسمة تحت سيادة إسرائيل، مع وضع خاص يشبه الفاتيكان للأماكن المقدسة.
أما السيادة التي تتجاوز الحدود الإقليمية على جبل الهيكل (المسجد الأقصى) فسيتم نقلها للفلسطينيين.
• تبادل الأراضي:
الاتفاق ينص على ضمّ إسرائيل لبعض الكتل الاستيطانية الكبيرة، مقابل تبادل أراضٍ فلسطينية.
• ترتيبات أمنية:
تشمل الوثيقة ترتيبات أمنية تستمر لمدة 12 عاماً لضمان استقرار الوضع.
• حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين:
• ينص الاتفاق على إنشاء “اللجنة الدولية للاجئين الفلسطينيين”، وهي هيئة دولية جديدة تهدف إلى إعادة تأهيل اللاجئين الفلسطينيين وتأمين اندماجهم في البلدان المضيفة، وتحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، مع دمجهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون فيها.
• ستقوم هذه اللجنة تدريجياً بحل وكالة الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين).
النتيجة العامة:
• لا يتم قبول عودة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا ولبنان مطلقاً.
• عودة محدودة للفلسطينيين إلى الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها.
• توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية دون مقابل، مع تعويضات لليهود الذين رحلوا من الدول العربية بعد الصراع العربي الإسرائيلي.
ختاماً، تُلقي “صفقة القرن” بظلالها على واقع معقد، حيث تحمل في طياتها رؤى وتوجهات تصطدم مع تاريخ طويل من الصراع والتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبينما رآها البعض فرصة لإعادة رسم خريطة السلام في الشرق الأوسط، اعتبرها آخرون مساراً لتهميش الحقوق الفلسطينية وتكريس السيطرة الإسرائيلية على مفاصل أساسية، بدءاً من القدس وصولاً إلى السيادة والأراضي. تظل التساؤلات مطروحة حول إمكانية تطبيق هذه التصورات وتحقيق العدالة والسلام الدائم في المنطقة، مما يستدعي حواراً جاداً وموقفاً موحداً من الأطراف كافة لمعالجة جذور الصراع، والتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعوب وتطلعاتها نحو الاستقرار والازدهار.