متابعات ـ هاني فريد
على عكس الانتخابات السابقة التي شهدت اختلافات هامشية، تثبت انتخابات عام 2024 أنها ستخلف تأثيرًا هائلاً ليس فقط على السياسة الخارجية الأمريكية ولكن أيضًا على دور أمريكا في العالم.
وقد أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مرارًا وتكرارًا، عن استعداده للوفاء بأجندته ” أمريكا أولاً”، وإنهاء التورط الأمريكي في الخارج وتقليص -أو تغيير- العلاقات التعاهدية التي يراها منحرفة ضد المصالح الأمريكية.
لذا، لم يكن غريبًا أنه في غضون دقائق من إعلان ترامب عن اختياره لمذيع قناة “فوكس نيوز” والمحارب السابق بيت هيجسيث لمنصب وزير الدفاع، بدأ كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين في وصف التعيين بأنه “سخيف”، حسب ما قال أحدهم لجيم سيوتو، محلل شبكة CNN، بينما قال آخر إنه “كابوس”.
وكان هيجسيث منذ فترة طويلة من مؤيدي أجندة ترامب ” أمريكا أولاً”.
يقول سيوتو:”لم تكن انتقاداتهم شخصية، ولم يكن لدى أي منهم أي شيء سلبي يقوله عن هيجسيث”. بل يتلخص اهتمامهم الرئيسي في أنهم يرون ترامب، مع هذا وغيره من التعيينات العليا في مجال الأمن القومي، يبني فريقاً لتنفيذ تغييرات هائلة ودائمة في السياسة الخارجية الأمريكية.
يشير التحليل إلى أن القاسم المشترك في التعيينات الجديدة هو “الولاء بوضوح”. مع هذا “في حين أن بعض الولاء ضروري، فإن الولاء المفرط أمر خطير”.
يقول: “بالنظر إلى التعيينات حتى الآن، فقد ينتهي بنا الأمر إلى عقل واحد يتحكم في العديد من الأيدي. ولم أصدق قط أن عقلاً واحدًا، أي عقل، يمكنه القيام بذلك بالإضافة إلى تنوع الفكر”.
قلق شديد
كما هو الحال في السياسة الداخلية، أظهر ترامب، وجهة نظر للعلاقات الأمريكية في الخارج تفشل غالبًا في التمييز على أساس القيم أو التاريخ المشترك. حيث يرى أن الولايات المتحدة ليست أفضل أو أسوأ من خصومها.
وهناك رابط مشترك بين إجابة ترامب على مذيع “فوكس نيوز” بيل أوريلي في عام 2017 عندما قال إن “بوتين قاتل”، والذي أجابه ترامب، “هل تعتقد أننا أبرياء جدًا؟” وتعليقه في تجمع حاشد في ميتشيجان خلال الأسبوع الأخير من حملة 2024 بأن “حلفاءنا في كثير من الحالات أسوأ من أعدائنا المزعومين”.
يشير التحليل إلى أنه “في ظل هذه النظرة إلى علاقات أمريكا مع الحلفاء والخصوم، يبدو أن ترامب يعتقد أنه -بصفته رئيسًا- سيكون قادرًا على عقد اتفاقيات مفيدة للطرفين لصالح الولايات المتحدة مع روسيا أو الصين. تماما كما هو الحال مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، الدول التي قاتلت إلى جانب الولايات المتحدة ووقعت معاهدات دفاع متبادل”.
يقول: “لا شك أن المفاوضات مع موسكو أو بكين أفضل من حرب بين القوى العظمى، ولكن هذا النهج يتجاهل حقيقة مفادها أن هؤلاء الخصوم يرون أن من مصلحتهم الاستراتيجية إضعاف الولايات المتحدة والنظام العالمي الذي تقوده واشنطن”.
ولفت إلى أنه “في ظل هذه النظرة الراسخة، سوف يوقف (ترامب) المساعدات المقدمة لأوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد روسيا”. ونقل عن مستشار الأمن القومي السابق لترامب جون بولتون، قوله: “إذا كنت أوكرانيا، فسوف أشعر بقلق شديد. لأنه إذا كان كل شيء عبارة عن صفقة، فما هي قيمة 10% أخرى من الأراضي الأوكرانية إذا كان ذلك سيجلب السلام؟”
على نحو مماثل، وفي حين تعهد بايدن علنًا عدة مرات بالدفاع عن تايوان عسكريًا ضد الغزو الصيني -مما أنهى سياسة الغموض الاستراتيجي التي انتهجتها الولايات المتحدة منذ عقود تجاه الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي- لم يشير أي من كبار مستشاري ترامب السابقين أنهم يعتقدون أنه سيفعل الشيء نفسه.
أيضًا، صارت المعاهدات الدفاعية الأمريكية مطروحة على الطاولة “فقد قال العديد من مستشاريه إنه قد يحاول الخروج من حلف شمال الأطلسي (كما شهدوا محاولته لفترة وجيزة في ولايته الأولى) أو، إذا أحبطته التشريعات الجديدة التي أقرها الكونجرس -والتي تجعل مثل هذا الانسحاب الأحادي الجانب أكثر صعوبة- فإنه قد يشير إلى أنه، بصفته القائد الأعلى، لن يلتزم بالمادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي، التي تلزم الأعضاء بالدفاع عن الأعضاء الآخرين عسكريًا”.
يقول سيوتو: “أخبرني بولتون بعد الانتخابات أن حلف شمال الأطلسي سيكون في خطر حقيقي”.
وحسب المحلل الأمريكي، يخشى القادة العسكريون والدبلوماسيون في أوروبا وآسيا انسحاب ترامب المحتمل من الالتزامات الأمريكية في الخارج.
يقول: “خوفًا على أمنها، قد تقرر الدول في آسيا وأوروبا تطوير أسلحة نووية لتحل محل أمن المظلة النووية الأمريكية”.
ولفت إلى أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تدفع روسيا والصين وكوريا الشمالية -وربما إيران إذا ما قررت صنع قنبلة نووية- إلى توسيع ترساناتهما للحفاظ على الردع. ومن المعقول أن تفعل دول أخرى في كل منطقة الشيء نفسه “وعلى هذا، فإن ترامب قد يشعل -عن غير قصد- سباق تسلح نووي جديد”