حقيقة اتفاقية البترودولار:
تداولت مواقع إخبارية على نطاق واسع تقارير تتحدث عن اتفاق سعودي-أمريكي يعود لعام 1974، يقضي بأن تستخدم السعودية الدولار في جميع مبيعاتها النفطية. وبحسب تلك التقارير، فإن مدة هذا الاتفاق التي تبلغ 50 عامًا قد انتهت الآن.
لكن موقع ليدر إنسايت فند تلك التقارير، مؤكدًا “عدم وجود مثل هذا الاتفاق”.
تعالوا نوضح حقيقة هذا الاتفاق، إن كان موجودًا، ودور النفط في إبقاء هيمنة الدولار. كما سنناقش ما إذا كان تكتل بريكس يمكن أن يؤثر في هيمنة الدولار في المستقبل.
أولًا: الأخبار المتداولة حول انتهاء مدة الاتفاق السعودي-الأمريكي الخاص بحصر بيع النفط بالدولار:
تضج مواقع التواصل الاجتماعي بهذه التقارير، إلا أنه لم يصدر أي تصريح رسمي من أي مسؤول في البلدين بهذا الشأن، وكأن الغموض مقصود. أما وسائل الإعلام، فقد امتنعت في البداية عن تناول الموضوع، قبل أن يبدأ بعضها بالحديث عنه نتيجة الانتشار الواسع لهذه الأنباء. على سبيل المثال، نشر موقع RT الروسي بتاريخ 15/6/2024 مقالًا بقلم أولغا ساموفالوفا في فزغلياد، تقول فيه: “انتهت صلاحية اتفاقية البترودولار بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة التي تم توقيعها في عام 1974، مما يتيح للسعودية بيع نفطها ومنتجاتها بعملات أخرى، حسبما أكدت وسائل إعلام.”
وعلى الرغم من أن هذا تصريح غير رسمي من مصدر إعلامي روسي، إلا أنه يعزز احتمالية وجود مثل هذا الاتفاق.
ثانيًا: المصادر الإعلامية الأمريكية تنفي وجود هذا الاتفاق:
- ووفقًا للتقارير، فإن هذا الاتفاق، الذي يُزعم انتهاء مدته 50 عامًا، يُنذر بنهاية هيمنة العملة الأمريكية. إلا أن موقع ليدر إنسايت فند هذه المزاعم، مؤكدًا “عدم وجود مثل هذا الاتفاق”.
- تحدثت صحيفة MorningStar بتاريخ 17/6/2024 عن الروايات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن انهيار اتفاقية البترودولار طويل الأمد بين أمريكا والسعودية، وقالت: “هذا الاتفاق لم يكن موجودًا أبدًا.”
- وفي تدوينة نشرها بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في UBS Global Wealth Management، أشار إلى أن “قصة اتفاق البترودولار المزيفة أصبحت منتشرة على نحو مدهش، مما يقدم درسًا حول مخاطر التحيز التأكيدي.”
ثالثًا: عدم صدور أي تعليق رسمي من الطرفين:
لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانبين، السعودي أو الأمريكي، حول المقالات الأخيرة التي ذكرت انتهاء صلاحية اتفاقية البترودولار المبرمة بين البلدين في 9/6/2024. و اقتصرت التصريحات على مصادر إعلامية أو شبه إعلامية، مع وجود إشارات تدعم احتمالية وجود اتفاق ما. من بين هذه الإشارات:
- تقرير المراقب العام الأمريكي الصادر عام 1978 بعنوان “اللجنة الأمريكية-السعودية للتعاون الاقتصادي” يوصي بتعزيز عمل اللجنة التي تأسست عام 1974 للتعاون الاقتصادي، وفتح مكتب لوزارة الخزانة الأمريكية في الرياض من أجل “إعادة تدوير البترودولار”، مما يؤكد تأسيس هذه اللجنة المشتركة.
- ذكر بول دونوفان في تدوينته أنه “من الواضح أن قصة اتفاقية البترودولار هي أخبار مزيفة.” وأضاف: “ربما كان أقرب شيء لصفقة البترودولار هو اتفاق سري بين الولايات المتحدة والسعودية في أواخر عام 1974، يتضمن تقديم مساعدات ومعدات عسكرية مقابل استثمار المملكة لعائدات بيع النفط في الخزانة الأمريكية.”
- بعد أن قالت MorningStar في 17/6/2024 إن اتفاقية البترودولار بين أمريكا والسعودية “لم تكن موجودة أبدًا”، أشارت إلى تقرير صادر عن مكتب المحاسبة الأمريكي، الذي تحدث عن لجنة أمريكية-سعودية مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، تم توقيع قرار إنشائها في 8/6/1974 بين وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وولي العهد السعودي آنذاك، الأمير فهد بن عبد العزيز.
- نشرت جريدة القبس الكويتية ضمن “ذاكرة الأخبار” بتاريخ 20/10/2020 خبرًا كانت قد نشرته في 7 يونيو 1974، عن مباحثات بين الرئيس نيكسون والأمير فهد بن عبد العزيز بشأن تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط بعد اتفاقات فصل القوات المصرية والسورية مع (إسرائيل)، إلى جانب توسيع التعاون الاقتصادي والدفاعي بين السعودية والولايات المتحدة.
رابعًا: بإمعان النظر في البند “ثالثًا” أعلاه:
تؤكد زيارة الأمير فهد بن عبد العزيز واستقباله من قبل الرئيس الأمريكي نيكسون أهمية هذه الزيارة. كما أن إنشاء اللجنة الأمريكية-السعودية للتعاون الاقتصادي في 8/6/1974 يشير إلى وجود اتفاقيات أُبرمت بين البلدين، وكأن هذه اللجنة هي المكلفة بالتنفيذ. وهذا كله يؤكد وجود اتفاقية ما بين أمريكا والسعودية. فمنذ عام 1975، حصرت السعودية تعاملاتها النفطية بالدولار، ما أدى إلى هيمنة الدولار الأمريكي، بحيث كان على الدول الراغبة في شراء النفط أن تمتلك الدولار، مما يعزز ارتباط الاقتصاد السعودي بالدولار الأمريكي.
خامسًا: ارتباط الريال السعودي بالدولار:
لقد أكد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في تصريحات سابقة استمرار الدولار الأمريكي كعملة معتمدة لمبيعات وتجارة النفط الخام السعودية مع الخارج، وهو أمر يعكس أهمية العلاقة الاقتصادية التي تجمع السعودية بالولايات المتحدة، وكذلك استمرار الهيمنة الأمريكية في أسواق النفط من خلال الدولار، مما يعزز الترابط الاقتصادي بين الدولتين.
سادسًا: تأثير انضمام السعودية لتكتل البريكس:
مع انضمام السعودية لتكتل البريكس، الذي تقوده الصين وروسيا وهما من خصوم أمريكا، يبرز تساؤل حول ما إذا كان ذلك سيؤثر على استمرار حصر تسعير النفط السعودي بالدولار. هذه المسألة معقدة وتتأثر بعدة عوامل. ولتوضيح ذلك، نستعرض ما يلي:
- يُستخدم مصطلح BRICS للإشارة إلى اقتصادات البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. تأسس التكتل في عام 2006 لإعطاء الدول النامية دورًا أكبر في الشؤون الدولية، وتم تغيير اسم المجموعة إلى بريكس مع انضمام جنوب إفريقيا في عام 2011. خلال القمة الـ15 في جوهانسبرغ يوم 24/8/2023، أعلن عن انضمام السعودية، بجانب مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، ليبدأ انضمامها رسميًا في بداية عام 2024. كان من أهداف القمة التخلص من هيمنة الدولار عبر إصدار عملة موحدة للدول الأعضاء، لكن لم يُتفق على ذلك. وبدلًا من ذلك، تم التركيز على تشجيع التعامل بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء.
- رغم إعلان التلفزيون السعودي الرسمي يوم 2/1/2024 انضمام السعودية إلى البريكس، صرح وزير التجارة السعودي ماجد القصبي خلال حلقة نقاش في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بأن السعودية تلقت دعوة للانضمام لكنها لم تنضم رسميًا بعد. هذا يشير إلى أن السعودية كانت تنتظر موافقة أمريكية، مما يعزز فكرة أن أي تحرك سعودي في الساحة الدولية يراعي مصالح الولايات المتحدة.
- دخول دول تابعة لأمريكا، مثل السعودية، إلى مجموعة البريكس قد يضعف من تماسك هذا التكتل. وقد عارضت جنوب إفريقيا إصدار عملة موحدة، لعدم وجود إجماع بين الدول الأعضاء. وعلى الرغم من الحماس الروسي والصيني للتخلص من هيمنة الدولار، فإن ضم السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، يمكن أن يحد من هذا الطموح. كما أن دخول السعودية وغيرها من الدول الموالية لأمريكا قد يؤثر على قدرة البريكس على تشكيل جبهة موحدة، تمامًا كما حدث مع دول أوروبا الشرقية التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، واستُخدمت للتأثير في قرارات الاتحاد.
- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يُعتبر من أكبر المؤيدين لاستصدار عملة موحدة للبريكس، اضطر للتراجع أمام الواقع السياسي والتباين بين الدول الأعضاء. وأشار في كلمة عبر الفيديو خلال إحدى اجتماعات البريكس إلى أهمية توسيع التعامل بالعملات المحلية بدلًا من السعي لاعتماد عملة موحدة. هذا يدل على التحديات الكبيرة التي تواجه التكتل في تحقيق أهدافه الاستراتيجية على المدى القريب.
خاتمة:
تتضح من خلال هذه العوامل التشابكات المعقدة التي تميز العلاقة بين النفط والدولار، والتحولات الجيوسياسية التي قد تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي. سواء كان الأمر يتعلق بانتهاء اتفاقية البترودولار أم لا، يبقى تعامل السعودية بالدولار الأمريكي جزءًا من سياستها للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، بينما قد يمثل انضمامها للبريكس محاولة لإيجاد توازن جديد على الساحة الدولية، مع مراعاة مصالحها وعلاقتها التاريخية مع الولايات المتحدة.
بهذا النص المصحح، تم تعديل الأخطاء اللغوية والإملائية والنحوية لضمان الاتساق والوضوح.