منذ إطلاق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، أصبح هذا المشروع الكبير محط أنظار العالم. في البداية، كان هناك من شكك في فائدة هذا المشروع، بل واعتبره مغامرة غير مدروسة، متسائلين عن جدوى بناء مدينة جديدة بعيدة عن مركز العاصمة القديمة. ومع مرور الوقت، بدأت تتضح الصورة بشكل أكبر وأوضح، حيث أثبتت العاصمة الإدارية أنها ليست مجرد مشروع حضري، بل كانت نقطة تحول محورية في مسيرة التطور العمراني والاقتصادي في مصر. ومع نجاح المشروع داخليًا، بدأت دول عديدة من مختلف أنحاء العالم في النظر إلى التجربة المصرية كمثال يحتذى به في مجال بناء المدن الذكية، الأمر الذي يفتح أبوابًا جديدة للتعاون والتكامل الدولي.
العراق: بداية جديدة بنكهة مصرية
من بين أولى الدول التي عبرت عن رغبتها في الاستفادة من الخبرة المصرية في مجال بناء العواصم والمدن الكبرى كانت العراق. حيث طلب رئيس وزراء العراق، محمد شياع السوداني، رسميًا من مصر ومن شركة العاصمة الإدارية المصرية الإشراف على إنشاء عاصمة إدارية جديدة في جنوب بغداد، مستوحاة من العاصمة الإدارية المصرية. هذا الطلب جاء بعد أن أدركت الحكومة العراقية النجاح الكبير الذي حققته مصر من خلال مشروع العاصمة الإدارية، وضرورة إعادة بناء بنية تحتية حديثة تدعم نمو العراق الاقتصادي وتواكب تطلعات الشعب العراقي.
العراق، التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة وصراعات طويلة الأمد، تسعى للاستفادة من هذه التجربة الضخمة لتحقيق نقلة نوعية في جميع جوانب البنية التحتية والإدارية. فقد أصبح المشروع المصري بمثابة النموذج الأنجح في المنطقة العربية لبناء العواصم الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ.
مدغشقر: الاستفادة من التجربة المصرية في بناء عاصمة جديدة
ولم تكن العراق وحدها التي أعربت عن رغبتها في التعلم من الخبرات المصرية. فقد أبرمت دولة مدغشقر، إحدى دول القارة الأفريقية، اتفاقًا رسميًا مع شركة العاصمة الإدارية المصرية لإنشاء عاصمة جديدة على غرار عاصمتنا، ستحمل اسم “تاناماسوندر”. تعد هذه الخطوة بمثابة دليل على أن نجاح التجربة المصرية قد تجاوز حدود الشرق الأوسط ليصل إلى القارة الأفريقية، وهو ما يعكس تحول مصر إلى براند عالمي في بناء المدن الذكية.
المشروع في مدغشقر يعد أحد المشاريع الكبرى التي تسعى الدولة الأفريقية من خلالها إلى تحسين ظروف الحياة وتحقيق التنمية المستدامة، خصوصًا في ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد. ومن المتوقع أن يستفيد هذا المشروع بشكل كبير من الخبرات المصرية في التخطيط العمراني الحديث وخلق بيئة عمرانية قادرة على استيعاب النمو السكاني المستقبلي.
إندونيسيا والسعودية: تطلعات كبيرة نحو التعاون المصري الدولي
وفي الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية والأفريقية تتطلع للاستفادة من التجربة المصرية، جاء الدور على دول اقتصادية كبيرة مثل إندونيسيا، حيث طلبت إندونيسيا، إحدى أكبر الاقتصادات في آسيا، من شركة العاصمة الإدارية المصرية الإشراف على تنفيذ عاصمتها الجديدة، وهو ما يعكس ثقة هذه الدول في القدرة المصرية على بناء وتطوير المدن الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا، البنية التحتية القوية، والأنظمة الذكية. إندونيسيا، التي تعد أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، تسعى لتطبيق نموذج مبتكر يواكب التطورات العالمية في مجال التخطيط العمراني.
أما السعودية، وهي شريك استراتيجي لمصر في العديد من المجالات، فقد طلبت أيضًا من الشركات المصرية تنفيذ مشروع “المونوريل السعودي”، وهو واحد من أهم مشاريع النقل العام في المملكة. هذا الطلب جاء بعدما تأكدت المملكة من نجاح التجربة المصرية في بناء مشاريع ضخمة في مجال المواصلات العامة، والتي أظهرت قدرة الشركات المصرية على تنفيذ مشاريع ضخمة داخل وخارج مصر وفق أعلى المعايير العالمية.
مصر: براند عالمي في بناء المدن الذكية
اليوم، أصبحت مصر بالفعل براند عالمي في مجال بناء المدن الحديثة والعواصم الإدارية الذكية. أصبحت الشركات المصرية، بما تملكه من خبرات ضخمة في بناء الطرق، الكباري، والمدن الذكية، تمتلك سمعة قوية عالميًا في تنفيذ مشاريع ضخمة معقدة. نجاح العاصمة الإدارية الجديدة، على سبيل المثال، أكسب الشركات المصرية مكانة مرموقة على الساحة الدولية، وفتحت لها أبوابًا واسعة للعمل في العديد من البلدان العربية والأفريقية والآسيوية.
لم تعد مصر مجرد مستفيد من المشاريع الكبرى، بل أصبحت هي من تصدر الخبرات والمعرفة إلى دول أخرى، لتصبح واحدة من أكبر الخبراء في مجال البنية التحتية وتخطيط المدن الحديثة. هذا التحول لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة سنوات من العمل الجاد والمستمر لتطوير البنية التحتية، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في مختلف المجالات.
التحديات والتنافس الإقليمي والدولي
ولكن مع كل هذا النجاح، تواجه مصر تحديات كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بالمنافسة مع القوى الاقتصادية الكبرى. فبينما تسعى مصر لزيادة تأثيرها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال مشروعاتها الكبيرة، نجد أن هناك دولًا أخرى تحاول أيضًا الاستفادة من التقدم التكنولوجي في هذا المجال. على سبيل المثال، تسعى دول أخرى مثل الإمارات وتركيا إلى بناء مدن ذكية وعواصم جديدة تسير على نفس النهج. هذه المنافسة قد تضع ضغوطًا على الشركات المصرية، لكنها في ذات الوقت تعتبر دافعًا إضافيًا للاستمرار في التطوير والابتكار.
وفيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية والتوترات السياسية، لا يمكن إغفال أن هناك دولًا أخرى قد تحاول تقويض نجاحات مصر في هذا المجال، خصوصًا تلك التي كانت تستفيد سابقًا من العقود والمشاريع الكبرى في المنطقة.
ختامًا: الريادة المصرية في مجال البناء والتطوير الحضري
في النهاية، تظل مصر ساعية لتحقيق المزيد من النجاحات في هذا المجال، حيث أصبحت اليوم واحدة من الدول الرائدة عالميًا في بناء العواصم الذكية والمدن الحديثة. إنها تقدم نموذجًا يحتذى به في كيفية تحويل التحديات إلى فرص، وكيفية استثمار الخبرات المكتسبة في مشاريع ضخمة يمكن أن تخدم ليس فقط مصر ولكن المنطقة والعالم بأسره. ومع تزايد الطلب على التعاون مع الشركات المصرية، من المتوقع أن تظل مصر في صدارة دول العالم التي تقوم بتصدير هذه الخبرات للآخرين، وتظل مثالًا حقيقيًا على كيف يمكن للأمم أن تبني مستقبلًا أفضل باستخدام المعرفة والابتكار.