تعارفنا في برد الشتاء القارس، حيث كانت الحياة تضعنا أمام اختبارات وصعوبات عديدة، لكنها لم تفلح في إخماد شعلة الحب التي أشعلت قلوبنا. تواعدنا على الحب في الصيف، حين دفء الشمس يجتاح النفوس ويملؤها بالحيوية، وأكملنا مشوارنا مع الخريف، الذي كان بمثابة جسر يعبر بنا نحو الاستقرار. وما أروع أن تسير بقية أيامنا في ربيعٍ دائم، ربيعٍ لم تذبله الأيام، بل زادته بهاءً وصفاءً.
ومع بداية شهر نوفمبر من كل عام، تطل عليّ الذكريات التي لا تندثر، تلك التي تتسلل إلى روحي كنسمة رقيقة، تذكرني بأن نوفمبر هو شهر حصاد الحب وبداية حياتنا معًا. كان الشهر الذي جمع شملنا، وسارت فيه مركبنا تتهادى بأمان، ونحن نجدف سويًا نحو تحقيق الأحلام التي لطالما رسمناها في خيالنا. حققنا الكثير وما زال في الطريق ما ينتظرنا. وفي كل نوفمبر جديد، نجدد مواعيد الحب، نُعيد ذكريات الأيام الخالدة في قلوبنا، ولا يغيب عن ذهني يومي 16 و17، حين عشنا لحظات عقد قراننا وزفافنا، وكأن الكون كله يحتفي بنا في ذلك الحين.
لشهر نوفمبر مكانة عظيمة في قلوب الكثيرين، تُحاك حوله الأساطير، ويُقال إنه شهر تكثر فيه فرص الوقوع في الحب. ومع أننا عثرنا على حبنا قبل أن يأتي نوفمبر، إلا أنني صدّقت الأسطورة، بل تماديت في حب فكرة أن كل شهور الخريف، وليس نوفمبر وحده، هي فترات مثالية للحب والدفء. ألم يكن ميلادك في سبتمبر دليلاً على أن الخريف يحمل بدايات ساحرة؟ ألم نقم بتجهيز منزلنا وزفافنا في نوفمبر، وكأنه دعوة لإحياء مشاعرنا من جديد؟
وعندما جاء شهر ديسمبر، بدأنا أيام شهر العسل، حيث كانت أمسيات القاهرة والإسكندرية شاهدةً على سعادتنا. كنا نمشي في الهواء الطلق، نتنزه في الحدائق، ونجلس على الكراسي الحجرية على ضفاف النيل وكورنيش البحر. كنا نأكل الذرة المشوية، والآيس كريم، ونشرب حمص الشام الساخن الذي كان يدفئ أيدينا الباردة، بينما تعطي لسعة برد الخريف نكهةً مميزة لتلك اللحظات.
أتذكر كيف كنت ترضى بجنوني وتعلقي بالحناطير؟ كنا نلف الشوارع في عربة يجرها الحصان، ونسمع دقات حوافره على الأسفلت اللامع. كنت تدندن لي بصوتك الشجي، فتحول نغمات الحوافر الرتيبة إلى سيمفونية حب لا تنسى. كل لحظة معك كانت أشبه بقطعة موسيقية ساحرة، تتردد صداها في أذني وقلبي.
ويقول العلماء إن الصيف هو الوقت المثالي بيولوجيًا لمقابلة شخص تحبه، وهذا ما حدث لنا. أما الوقوع في الحب خلال الخريف، فيُقال إنه يؤدي إلى علاقات طويلة الأمد. وهذه الحقيقة أيضًا تنطبق علينا، فما أجمل أن يحملنا الحب عبر فصول العام، بذكريات ولحظات متجددة.
وحشتني يا رجائي
ومع كل كلمة أكتبها، أشتاق إلى المزيد من الحكايات والمشاعر التي تجمعنا… وللحديث بقية.
2024/11/12