أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا (تاريخيًّا) بعدم دستورية المادتين (١ و٢) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١، الخاص بتأجير الأماكن السكنية وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، وحددت المحكمة اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالى لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها.
مستوجب، قبل إعمال النص الدستورى أعلاه، إعمال العقل التشريعى. يتكاملان بالضرورة. بمعنى أدق إعمال العقل فى النص، والحكمة كما يقولون ضالّة المؤمن، ويبقى المؤمن محتاجًا للنصيحة والحكمة، وحيثما وجدها فعليه بالأخذ بها، حتى وإن كانت قد خرجت من الذين لا يُحسبون من ذوى الرأى والحكمة.
ماذا قالت المحكمة الدستورية؟.
قالت المحكمة إن تحديد الأجرة يجب أن يستند إلى ضوابط موضوعية تحقق التوازن بين طرفى العلاقة الإيجارية، مما يُوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن، فلا يمكّن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالًا لحاجة المستأجر إلى مسكن يؤويه، ولا يهدر عائد استثمار الأموال- قيمة الأرض والمبانى- بثبات الأجرة.
وأضافت المحكمة أن النصين المطعون عليهما قد حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على (٧٪) من قيمة الأرض عند الترخيص، والمبانى طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، وهو ما أدى إلى ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان بغض النظر عن زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية.
أن يأتى متأخرًا خير من ألّا يأتى أبدًا، حكم جاء متأخرًا. لا ضير. حكم يعيد صياغة العلاقة بين المالك والمستأجر (القلقة) على نحو عادل. المهم إعمال العقل التشريعى فى النص الدستورى.
النص جاء عامًّا ومحايدًا، وهكذا يجب أن يصدر القانون عامًّا ومحايدًا بعيدًا عن الانحيازات المسبقة، وهذا يتطلب عقلًا تشريعيًّا باردًا يصيغ العلاقة بين المالك والمستأجر بروح من التوازن والعدالة لحماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر. (من تعقيب المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، على صدور القانون).
التوازن بين المصالح المتعارضة، مشفوعًا بالعدالة، حجر أساس القانون. وعدم الجور على مصالح المستأجرين يعدله عدم الجور على حقوق المُلّاك، وهذا يحتاج إلى تجرد تشريعى يترجم مصلحة مجتمعية مبتغاة.
أخشى أن القانون الجديد لن يرضى عنه المُلّاك ولا المستأجرون حتى يحقق مصالحهم، ومصالحهم متعارضة، والعلاقة بين الطرفين مثل قضيبى القطار لا يلتقيان إلا عند التحويلة.. وهذا القانون (تحويلة) متأخرة للقاء على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».
ومن إعمال العقل التشريعى إقامة حوار مجتمعى على مواد مشروع القانون المقرر دستوريًّا. مهم الاستماع بأريحية إلى الحكماء على الطرفين، والتوفُّر على دراسة منطوقهما، والاحتراس من «لوبيات الضغط» التى تشكلت قبلًا، وستسنّ أسنانها لتمزيق القانون قبل وبعد صدوره، والتأثير على العدالة التشريعية، ما يحرف حكم «الدستورية» عن منطوقه.
حكم المحكمة الدستورية وضع أساس البناية التشريعية المرتقبة. إزالة آثار العدوان التاريخى على قيمة العدل وإهدار حق الملكية فى التعاقدات الإيجارية. مهم هندسة البناية القانونية حتى لا تسقط فى صدع الرفض المجتمعى المسبق، وتتحول المنحة الدستورية إلى محنة مجتمعية.