في لحظة نابعة من حكمة عظيمة وتفكير أبوي عميق، استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، امس الخميس نيافة الأنبا أبانوب أسقف عام المقطم في المقر البابوي بالقاهرة. لم يكن اللقاء مجرد اجتماع عادي، بل كان لحظة تجسدت فيها معاني الحكمة التي لطالما اتسم بها قداسة البابا تواضروس، المعروف بلقب “بابا المحبة”.
التحدي في المقطم
تبدأ القصة من أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، حيث أسقف طيب القلب وعميق الإيمان، نيافة الأنبا أبانوب، الذي كان يعايش واقعًا مليئًا بالتحديات. منطقة المقطم التي تحتضن العديد من الأسر المصرية التي تعيش في ظروف معيشية صعبة، كانت هدفًا لبعض الكنائس البروتستانتية الأمريكية التي حاولت زرع أفكار جديدة وغريبة عن المجتمع المصري المسيحي الأرثوذكسي، مثل فكرة رسامة المرأة قسًا، وهي فكرة تتناقض بشكل صارخ مع تعاليم الكنيسة المصرية.
وبينما كانت هذه الأفكار الغريبة تتسلل إلى المنطقة، ظهر الأسقف الذي عرف بحرصه الشديد على مبادئ الكنيسة الأرثوذكسية، فكان يقف بشجاعة وبحزم في مواجهة كل محاولة لتغيير هذه القيم. لم يكن ذلك الموقف السليم محط إعجاب الجميع، بل كان مدعاة للمكائد والمؤامرات من بعض الأطراف التي حاولت تشويه صورته واتهامه زورًا بالتعدي على الناس، في حين أنه كان يسعى فقط لحماية الإيمان الأرثوذكسي من التشويش والانحراف.
الأسقف يتصدى للمخططات
بشجاعة لم تسبقها تردد، تصدى نيافة الأنبا أبانوب لهذه المخططات بثبات، مؤكدًا أن الكنيسة الأرثوذكسية هي الحصن الأمين الذي يحمي القيم والمبادئ التي تأسست عليها الكنيسة منذ نشأتها. لكنّ تلك الشجاعة لم تمر مرور الكرام، بل سرعان ما بدأت الأصوات المعارضة تتحين الفرص لتشويه موقفه، عبر نشر أكاذيب وافتراءات عن تصديه لأفكارهم. ورغم تلك التحديات والاتهامات، واصل الأسقف عمله بشجاعة، مدركًا أن الصواب غالبًا ما يكون عرضة للتشويه من قوى لا تؤمن بالقيم التي يؤمن بها.
ورغم ذلك، كان شعب المقطم، الذي عاش طيلة سنوات تحت رعاية الأنبا أبانوب، يعلم يقينًا صدق نيته وحرصه على مصلحة أبناء الكنيسة والمجتمع. ووقفوا دفاعًا عن الأسقف الذي أحبهم وأخلص لهم. وبدلًا من أن يتأثر الأسقف بتلك الحملة، ظلّ صامدًا، لكن المكايد دبرت ضده. إذ توجه هؤلاء الأعداء إلى البابا تواضروس الثاني، معتمدين على تزييف الأدلة والحقائق في محاولة لتشويه سمعته.
حكمة البابا تواضروس الثاني
في هذه اللحظة الحرجة، جاءت حكمة البابا تواضروس لتظهر بكل وضوح. بابا المحبة الذي دائمًا ما يوجه رسائل تعكس فهمًا عميقًا لتحديات الحياة، لم يتسرع في إصدار حكمه، بل جمع من حوله أساقفة الكنيسة الذين كانوا شهودًا على ما يحدث، واستمع إلى كل التفاصيل بهدوء وحكمة.
كانت تلك لحظة تجسدت فيها الحكمة الأبويّة التي تتميز بها شخصيته الرائدة، والتي هي مصدر فخر للمصريين جميعًا. فقد استقبل البابا تواضروس أسقف المقطم بحفاوة، كما لو كان يستقبل أحد أبنائه الذين يحتاجون إلى النصح والإرشاد.
الدروس التي قدمها البابا تواضروس في اللقاء
ما حدث في هذا اللقاء ليس مجرد لقاء عابر، بل هو درس في الحياة الروحية. فقد أظهر البابا تواضروس معاني القيادة الحقيقية لا تعني أن تكون بعيدًا عن المشاكل أو المصاعب، بل أن تكون قادرًا على مواجهتها بروح محبة، دون تعجل أو تسرع. كان البابا في استماعه للأسقف، يجسد معنى القيادة الحكيمة التي تجمع بين الحب والحزم في آنٍ واحد. وحرص البابا على أن يشرح الأسقف ما جرى بشكل كامل دون تدخل مسبق، لأنه يدرك أن الحكمة تكمن في الاستماع قبل إصدار الحكم.
خاتمة: دروس المحبة والحكمة
إن حكمة البابا تواضروس الثاني تجلت في هذا الموقف، حيث أظهر أنه ليس فقط رأس الكنيسة، بل هو أب حقيقي لكل أبنائه. ويُعلّمنا أن المحبة هي الأساس في أي علاقة، وأن الحكمة تكتمل بالرحمة والتفاهم.
ليثبت البابا تواضروس أنه ليس فقط قائدًا دينيًا، بل هو مدرسة متكاملة في فن القيادة الرشيدة والإصلاح.
إن لقاء البابا مع الأسقف كان فرصة لنقل رسالة مفادها أن الكنيسة هي بيت مفتوح لجميع أبنائها، ونتعلم جميعًا درسًا في كيف يمكن للمحبة أن تحل المشكلات وتوحد القلوب.
فها هو البابا تواضروس، “بابا المحبة”، يثبت مجددًا أنه قائد حكيم وأبٌ حنون، قادر على التعامل مع أصعب الظروف بحكمة، ويظل قدوة لكافة أعضاء الكنيسة.