في ظل الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتجه أنظار العالم، وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط، إلى احتمالات فوز كامالا هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي. لا يقتصر تأثير الرئاسة الأميركية على الداخل الأميركي فحسب؛ بل يمتد ليشمل مناطق واسعة من العالم، وبالأخص الشرق الأوسط، الذي شهد انعكاسات مباشرة لسياسات الحزب الديمقراطي. تعتمد هذه السياسات في الكثير من الأحيان على تغيير الأنظمة الحاكمة، والتي تأتي مع أجندة ديمقراطية ترى في نفسها قوة داعمة “للتحرر” و”التغيير”. ولكن، هل يمكن اعتبار هذا التغيير إيجابياً؟ أم أن ذلك قد يؤدي إلى تجدد موجات من الفوضى في الشرق الأوسط؟
الديمقراطية بأسلوب الحزب الديمقراطي: من التحرير إلى التفكيك؟
لطالما روج الحزب الديمقراطي لفكرة “الديمقراطية” وتحرير الشعوب من أنظمة الحكم التي يعتبرها متسلطة. غير أن أجندة الحزب الديمقراطي في الشرق الأوسط تأخذ بعدًا أكثر تعقيداً، فهي تميل إلى فرض تغييرات جذرية على النظم السياسية، وغالبًا ما تتجاوز الإصلاحات التدريجية وصولاً إلى تفكيك الأنظمة القائمة. يعتمد الحزب الديمقراطي على دعم الحركات الشعبية عبر الشعارات الداعية إلى الحرية والديمقراطية، غير أن هذا الدعم ليس مجرد تأييد رمزي؛ بل هو تدخل حقيقي ومباشر في سياسات المنطقة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تهيئة الساحة لصعود قوى سياسية دينية مثل “الإخوان المسلمين”.
تعتبر جماعة الإخوان المسلمين، بحكم تنظيمها الواسع وقدرتها العالية على التعبئة الشعبية، الأكثر تأهيلاً لملء أي فراغ سياسي ينجم عن سقوط أنظمة الحكم. ففي الدول التي تمر باضطرابات، تستغل الجماعات المؤدلجة مثل الإخوان هذه الأزمات للسيطرة على السلطة، تحت ستار الديمقراطية والدعوة إلى الإصلاح. ويجدر هنا الإشارة إلى أن الأنظمة التقليدية، على الرغم من بعض عيوبها، غالبًا ما توفر درجة من الاستقرار الذي يمكن أن يتآكل بسهولة في ظل التحولات الحادة التي يفرضها الديمقراطيون.
سياسات 2011: درس لا يُنسى للشرق الأوسط
كان دعم الحزب الديمقراطي لما أُطلق عليه “الربيع العربي” في 2011 برئاسة باراك أوباما، إحدى أبرز المحطات التي تبرز التدخل الأمريكي في المنطقة تحت ستار دعم “الثورات الشعبية”. لقد اعتبر الديمقراطيون حينها أن دعم التغيير هو واجب أخلاقي نحو الشعوب الساعية إلى “التحرر”. وبالفعل، لم تتردد إدارة أوباما في مساندة الجماعات الثورية وتقديم الدعم السياسي والإعلامي لها، معتبرةً أن تلك الثورات ستُفضي إلى أنظمة حكم ديمقراطية عادلة.
لكن، على أرض الواقع، تحوّل هذا الدعم إلى أزمة حقيقية ضربت استقرار العديد من دول المنطقة. ففي مصر، على سبيل المثال، كانت جماعة الإخوان المسلمين المستفيد الأول من هذا الدعم الأميركي للثورة، حيث وصلوا إلى السلطة واستغلوا الفراغ السياسي لترسيخ نفوذهم، في مشهد كان يهدد بجر البلاد نحو التفكك الداخلي والصراع. إنَّ سياسات الحزب الديمقراطي حينها تسببت في حالة من الفوضى الإقليمية، وعززت حضور جماعات مؤدلجة عملت على تحويل الأنظمة الجديدة إلى أدوات طائفية وأيديولوجية تخدم مصالحها الخاصة بدلاً من مصالح الشعوب.
كامالا هاريس وأجندة الديمقراطيين: هل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه؟
مع ترشح كامالا هاريس ودعمها لسياسات الحزب الديمقراطي التقليدية، تخشى الأوساط السياسية في الشرق الأوسط من تكرار سيناريو 2011. يُخشى أن تواصل هاريس سياسة “دعم الشعوب” بشكل سطحي يتجاهل الحقائق الميدانية وتوازنات القوى في المنطقة. إن فوزها قد يشجع الحركات الدينية المؤدلجة على إعادة التمركز، والضغط لإحداث تغييرات سياسية جذرية تؤدي إلى إضعاف الأنظمة القائمة.
وفي هذا السياق، يُلاحظ أن الديمقراطيين في خطابهم يتحدثون عن دعم “الديمقراطية”، لكنهم يتجاهلون تمامًا السياق المحلي للمجتمعات، بل ويعتمدون بشكل غير مباشر على جماعات مثل الإخوان المسلمين، التي لها قدرة على تحشيد الناخبين بشكل كبير نتيجة لتغلغلها الشعبي وتنظيمها القوي. تُعد هذه الجماعات، من منظور الديمقراطيين، شركاءً قادرين على قيادة التحولات السياسية، حتى وإن كانت تلك التحولات بعيدة كل البعد عن تحقيق الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.
الإخوان ومستقبل الشرق الأوسط: هل يُمهِّد الديمقراطيون لعودتهم؟
إن جماعة الإخوان المسلمين تظل، بفضل انتشارها الشعبي الواسع، الأوفر حظًا للسيطرة على زمام الأمور في حال حدوث أي تغييرات سياسية مفاجئة. كما أن لديها القدرة على ملء أي فراغ سياسي، سواء في مصر أو غيرها من الدول التي تتبنى الأنظمة التقليدية. فهذه الجماعة لديها بنية تحتية سياسية متينة، وتمويل قوي، وخبرة واسعة في استغلال الفجوات السياسية؛ مما يتيح لها أن تتولى زمام الأمور بسهولة في حال حدوث أي تغييرات مدعومة من الخارج.
هذا الواقع يُعد جزءًا من قلق بعض الدول الشرق أوسطية من أن وصول كامالا هاريس قد يؤدي إلى تكثيف الضغوط الأمريكية على حكومات المنطقة، بما يُسهّل عودة الإخوان المسلمين للواجهة من جديد، كقوى تروج لفكرة الديمقراطية والحرية، ولكنها في الحقيقة تمهد لأجندة أيديولوجية بعيدة كل البعد عن مصالح الشعوب، وتؤدي غالبًا إلى انقسام المجتمعات وتدهور الأوضاع الأمنية.
دور الاستقرار: هل يمكن للشرق الأوسط أن يتحمل فوضى جديدة؟
تتطلب منطقة الشرق الأوسط استقرارًا أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية المتنامية. فدعم الديمقراطيين لأي تغييرات سياسية راديكالية في هذه المرحلة قد يكون مكلفًا للغاية، إذ إنّ المنطقة ليست قادرة على تحمل صدمات جديدة تهدد تماسكها واستقرارها. هذا الدعم قد يؤدي إلى إضعاف الأنظمة الحاكمة وإعادة إحياء تيارات مؤدلجة تساهم في تفاقم الأزمات، مما قد يُعيد المنطقة إلى دوامة من الفوضى والمآسي التي شهدتها في السنوات السابقة.
الخاتمة: تحذير من مغبة تكرار الماضي
إنّ فوز كامالا هاريس سيضع الشرق الأوسط أمام مفترق طرق جديد. قد يكون فوزها دعوة مفتوحة لعودة “التغييرات الدراماتيكية” التي يدعمها الحزب الديمقراطي، ولكن على حساب استقرار الدول. ويجب أن يُدرك المجتمع الدولي خطورة هذه التحولات على الأمن الإقليمي، إذ إن تكرار سيناريو 2011 ليس مجرد مسألة سياسية؛ بل قد يكون تهديدًا لمصائر شعوب بأكملها.