القاهرة، 5 نوفمبر 2024 – في خطوة تؤكد على أهمية التماسك الداخلي ووحدة الصف الكنسي، عقدت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية اجتماعاً هاماً اليوم برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وحضور العديد من أساقفة ومطارنة الكنيسة من مختلف الأبرشيات داخل وخارج مصر. وقد شارك في الاجتماع عبر تقنية الفيديو (Zoom) عدد من المطارنة المغتربين، منهم الأنبا سيرابيون من لوس أنجلوس، والأنبا يوسف من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، والأنبا جابرييل من النمسا.
هذا الاجتماع الذي يأتي في وقت حساس، حمل رسالة واضحة تهدف إلى توحيد الرؤى وتقديم الدعم للقيادة الروحية للكنيسة، ومواجهة الشائعات التي طالت بعض آباء الكنيسة في الفترة الأخيرة. وقد حرصت اللجنة على مناقشة عدة قضايا رعوية وتنظيمية وأخرى تتعلق بتطوير العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية حول العالم، مما يعزز الدور الرائد للكنيسة القبطية كجسر للتواصل بين الكنائس الشقيقة.
استنكار الشائعات وتأكيد وحدة الكنيسة تحت قيادة البابا تواضروس الثاني
افتتح الاجتماع بمناقشة التحديات التي تواجه الكنيسة، لا سيما الشائعات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي. وأبدى المجتمعون استنكارهم الشديد تجاه قيام البعض بنشر وتداول قائمة تحتوي على أسماء بعض من الآباء المطارنة والأساقفة، مع الادعاء بأنهم يشكلون “تكتلاً معارضاً” داخل الكنيسة. وأكدت اللجنة أن هذه المزاعم لا تمت للواقع بصلة، وأن ما يحدث داخل المجمع المقدس من نقاشات وآراء هي مسائل داخلية تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة للكنيسة وأبنائها، ويتم تناولها بشفافية وصراحة.
وجاء في بيان اللجنة: “نؤكد على أن أمور المجمع المقدس تناقش داخله فقط بكل شفافية وإخلاص، ونستنكر بشدة التصرفات غير المسؤولة التي تسعى إلى زرع الشكوك والتفرقة بين أباء الكنيسة، ونطالب أبناء الكنيسة بعدم الالتفات إلى ما يتم ترويجه على وسائل التواصل الاجتماعي.” وتهدف هذه الرسالة إلى توعية المؤمنين بأن الشائعات لا تخدم إلا مآرب خبيثة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الكنسي وتهديد وحدته.
تشكيل لجان لمواجهة الهجمات الإلكترونية والحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي
وبحثاً عن حماية الأمانة الإيمانية وتعزيز الوحدة، قررت اللجنة الدائمة تشكيل لجنتين مجمعيتين بهدف معالجة القضايا الملحة التي تواجه الكنيسة. وتختص اللجنة الأولى بمراجعة أي تعاليم مخالفة لعقيدة الكنيسة الأرثوذكسية قد تصدر عن شخصيات داخل الكنيسة، وذلك لضمان سلامة العقيدة والحفاظ على النقاء الروحي للكنيسة. وشدد المجتمعون على أنه ليس من حق أي فرد توجيه اتهامات دون الرجوع إلى المجمع المقدس والتحقيق الرسمي، مما يعكس حرص الكنيسة على تحقيق العدالة والحفاظ على سمعة القادة الروحيين.
أما اللجنة الثانية، فقد أُنشئت خصيصاً للتحقيق مع بعض أصحاب الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين دأبوا على نشر الهجمات ضد الكنيسة وآبائها، مستخدمين أساليب التضليل والإثارة. وأكد المجتمعون على خطورة هذا الأمر، لما يمثله من محاولة لتأليب الشعب القبطي وزعزعة الثقة بين المؤمنين وقادتهم الروحيين، عبر بث أفكار مغلوطة وإشاعات تهدف لإيهام البعض بأن الكنيسة تتنازل عن مبادئها الراسخة. وفي هذا السياق، صرحت اللجنة بأن “الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لن تتهاون في حماية عقيدتها وسمعتها، وأنه سيتم اتخاذ إجراءات حازمة تجاه من يسعى للإساءة للكنيسة ومؤسساتها.”
تعزيز العلاقات بين الكنائس الأرثوذكسية عالمياً
على صعيد آخر، استعرضت اللجنة التطورات الإيجابية في العلاقات بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الأخرى حول العالم. وقد أشاد أعضاء اللجنة بجهود الكنيسة القبطية، بقيادة قداسة البابا تواضروس الثاني، التي أسفرت عن استضافة لقاء الكنائس الأرثوذكسية العالمية في مصر الشهر الماضي، والذي جاء في وقت دقيق وحساس للكنيسة، مما يعكس حرصها على بناء جسور التواصل والمحبة مع الكنائس الشقيقة.
وأعرب المجتمعون عن تطلعهم لاستمرار هذه العلاقات وتطويرها، لا سيما مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، حيث تقرر عقد لقاء حواري بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الروسية يومي 14 و15 نوفمبر الجاري في القاهرة. ومن المتوقع أن يشهد هذا الحوار مناقشات بناءة حول التحديات المشتركة التي تواجه الكنائس الأرثوذكسية حول العالم، وسبل تعزيز التعاون في مجالات الرعاية الروحية والتعليم الديني.
الدعوة إلى الصلاة من أجل وحدة الكنائس الأرثوذكسية في إثيوبيا وإريتريا
في إطار روح التضامن الأرثوذكسي، دعت اللجنة الدائمة إلى استمرار الصلاة من أجل وحدة كنيسة التوحيد الإثيوبية الأرثوذكسية، وهي قضية تشغل الكنيسة القبطية منذ فترة، حيث تسعى لتقديم الدعم الروحي للكنائس الشقيقة التي تواجه تحديات داخلية. كما دعا المجتمعون للصلاة من أجل انتخاب بطريرك جديد لكنيسة إريتريا، مما يعكس اهتمام الكنيسة القبطية بالقضايا الأرثوذكسية العالمية وتقديرها للعلاقات التاريخية التي تجمعها مع الكنائس في القرن الإفريقي.
احتفالات الذكرى الثانية عشرة لتجليس البابا تواضروس الثاني
وفي ختام الاجتماع، تم الإعلان عن الاستعدادات الخاصة بالاحتفال بالذكرى الثانية عشرة لتجليس قداسة البابا تواضروس الثاني، التي تُعد مناسبة مميزة في مسيرة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ومن المقرر إقامة القداس الاحتفالي بهذه المناسبة يوم الاثنين 18 نوفمبر الحالي في مركز لوجوس البابوي بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون. ومن المتوقع أن يحضر هذا القداس عدد كبير من قادة الكنيسة والشعب القبطي، في مشهد يعكس الحب والتقدير الذي يكنه أبناء الكنيسة للبابا تواضروس ودوره في تعزيز مسيرة الكنيسة، وتحقيق السلام والاستقرار داخلها.
رسائل وتوصيات من أجل مستقبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
واختتم الاجتماع بإطلاق سلسلة من التوصيات التي تهدف إلى توجيه مسيرة الكنيسة نحو مزيد من البناء الروحي والوحدة الداخلية. وقد شدد المجتمعون على أهمية التكاتف بين أبناء الكنيسة وإدارتها الروحية، مشيرين إلى أن التحديات الراهنة تستدعي التحلي بالصبر والحكمة، والعمل بروح الفريق الواحد من أجل تحقيق الخير العام للكنيسة.
وصرحت اللجنة في ختام بيانها: “نحن نؤمن أن جميع الجهود التي تُبذل اليوم، تُبذل من أجل بناء مستقبل قوي وواعد للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحت قيادة قداسة البابا تواضروس الثاني.” انتهى الاجتماع كما بدأ، بالصلاة من أجل سلام الكنيسة وتماسكها، ليظل هذا الاجتماع علامة بارزة على استمرار الكنيسة في مسيرتها نحو المزيد من الوحدة والبنيان الروحي.