في لقاء خاص مع “العالم اليوم”، أوضح مدحت الشريف، وكيل اللجنة الاقتصادية السابق بمجلس النواب واستشاري الاقتصاد السياسي وسياسات الأمن القومي، أن مصر تواجه تحديات كبيرة في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المفروض من قبل صندوق النقد الدولي. وأكد الشريف أن هناك مطالب من الصندوق لا يمكن تنفيذها بالكامل، مشيراً إلى ضرورة تكوين فريق من الخبراء الوطنيين للتفاوض مع الصندوق وطرح حلول بديلة تحقق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والحفاظ على الأمن القومي.
مصر لا تستطيع تنفيذ جميع مطالب صندوق النقد الدولي
بدأ الشريف حديثه بتسليط الضوء على المطالب التي يشترطها صندوق النقد الدولي، موضحاً أن مصر لا يمكنها تنفيذ جميع هذه المطالب، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية. وأشار إلى أن البرنامج يستهدف تحرير كامل لأسعار الوقود واستعادة فروق الدعم بالكامل مع نهاية عام 2025، وهذا من وجهة نظره هدف مستحيل التنفيذ، وينذر بمخاطر جسيمة على الاستقرار الاجتماعي.
التحرير الكامل لسعر الصرف يمثل خطراً كبيراً
وأضاف الشريف أن البرنامج يتطلب أيضاً تحرير سعر الصرف بشكل كامل، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، مما يشكل عبئاً كبيراً على المواطنين، خاصة مع ارتفاع الأسعار. وأكد أن سعر الصرف الحالي مرن بالفعل، حيث لا توجد سوق سوداء حالياً، وهو ما يدل على توازن نسبي لا يتطلب إجراءات تحرير كاملة قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية.
التحول من الدعم العيني إلى النقدي
أشار الشريف إلى أن التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي أصبح ضرورة ملحة، لكنه شدد على ضرورة مراجعة الأسعار كل ثلاثة أشهر عبر لجنة تضم الوزارات المعنية مثل وزارة الصناعة والتجارة والتموين والتنمية المحلية، بالإضافة إلى هيئة الرقابة الإدارية. وأكد أن هذه الخطوة تهدف إلى الحفاظ على حقوق المواطنين المستحقين للدعم وضمان عدم وجود تلاعب في الأسعار، مع الأخذ في الاعتبار تجربة لجنة تسعير المحروقات التي تعقد اجتماعات كل ثلاثة أشهر لتقييم الأسعار.
أهمية دعم السلع التموينية وتأثيرات تحرير الخدمات
وأكد الشريف أن دعم السلع التموينية يعد من أخطر أنواع الدعم الذي يستهدف الصندوق إلغاءه، واعتبر هذا التوجه بمثابة “قنبلة موقوتة” قد تؤثر على استقرار المجتمع. ولفت الشريف إلى أن الإصلاحات التي تستهدف تحرير أسعار الخدمات مثل الكهرباء والمياه والغاز قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الفئات الأكثر احتياجاً، مما يتطلب توخي الحذر وتقديم الدعم المناسب لهذه الفئات في ظل ارتفاع الأسعار.
أهمية التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإيجاد حلول بديلة
اقترح الشريف ضرورة تكوين فريق من الخبراء الوطنيين غير المرتبطين بالصندوق أو مؤسسات التمويل الدولية للتفاوض مع ممثلي الصندوق. وأوضح أن هذا الفريق يجب أن يعمل على إيجاد حلول بديلة تضمن تحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي دون المساس بالأمن القومي. وشدد على ضرورة وضع بدائل وسيناريوهات متنوعة في حال رفض الصندوق التخفيف من شروطه.
التحديات الناتجة عن الاعتماد على “الأموال الساخنة”
أكد الشريف أن الحكومة تعتمد بشكل كبير على “الأموال الساخنة” عبر جذب المستثمرين الأجانب لشراء السندات وأذون الخزانة بالدولار، والتي تجاوزت قيمتها 36 مليار دولار منذ آخر اتفاق مع الصندوق. وأشار إلى أن هذا النوع من الاستثمارات يحمل في طياته مخاطر كبيرة، مشيراً إلى تصريح وزير المالية السابق الذي حذر من الاعتماد على الأموال الساخنة، حيث سبق أن خرج أكثر من 22 مليار دولار في غضون أسابيع قليلة.
أهمية استمرار الشركات الوطنية في الإنتاج
كما أشار الشريف إلى أن من مطالب الصندوق هو بيع حصة الدولة في المشروعات الوطنية، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان القدرات الإنتاجية الوطنية في كثير من السلع الأساسية، مما يزيد من الاعتماد على الاستيراد. وشدد على أن استمرار الشركات الوطنية في الإنتاج حتى وإن كانت خاسرة هو أمر أفضل من الاعتماد على الاستيراد الذي يستنزف موارد البلاد الدولارية.
أهمية تطوير قاعدة بيانات دقيقة لمستحقي الدعم
أوضح الشريف أن التحول من الدعم العيني إلى النقدي يجب أن يتم بعد إنشاء قاعدة بيانات دقيقة تشمل جميع مستحقي الدعم في مصر، مشيراً إلى أن آخر تقرير رسمي عن العلاقة بين الدخل والاستهلاك تم إصداره عام 2018، ومن الضروري تحديث هذه البيانات لضمان عدالة توزيع الدعم. وشدد على ضرورة تطبيق الدعم النقدي بشكل تدريجي عن طريق تجربة نموذجية في محافظة أو محافظتين لتقييم النتائج وتطوير النظام.
نهاية برنامج صندوق النقد في عام 2026 والمخاطر المستقبلية
أشار الشريف إلى أن برنامج الصندوق الحالي من المفترض أن ينتهي في أكتوبر 2026، وأن القيمة الإجمالية لهذا البرنامج تبلغ 8 مليارات دولار. وأعرب عن قلقه من أن الاستمرار في الانصياع التام لبرنامج الصندوق قد يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي، مؤكداً أن الهدف الأساسي من الاتفاق مع الصندوق هو جذب الاستثمارات الأجنبية ولكن يجب توخي الحذر لضمان استدامة النمو الاقتصادي.
خاتمة: ضرورة العمل على استراتيجيات وطنية مستقلة
اختتم الشريف حديثه بالتأكيد على ضرورة تبني استراتيجيات وطنية تضمن تحقيق الأهداف الاقتصادية دون المساس بمصالح المجتمع، مشدداً على أن مصر لديها القدرة على تقديم رؤية بديلة لصندوق النقد الدولي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.