بقلوب مؤمنة، وعيون مثقلة بالدموع، وقلوب محمّلة بالحزن العميق، ودّعت كنيسة الشهيد ماريوحنا المعمدان السيدة الفاضلة التي كانت بحق رمزًا للعطاء والتفاني، السيدة التي تميزت بحب الخير وكانت رسولة سلام وطمأنينة بين الجميع. كانت حياتها مثالًا للعطاء بلا مقابل، حيث لم تكن تعرف سوى بذل الحب ونشر السلام والصبر في قلوب من حولها.
قدّمت كل ما تملك من مشاعر وأحاسيس نبيلة لأسرتها وجيرانها وأصدقائها، وكأنها نور مشعّ لا ينطفئ، يبعث الدفء والأمل في كل من يقابله.
هذه السيدة العظيمة التي حملت على عاتقها مشاق الحياة بعد أن ترمّلت في سن صغيرة، واجهت الحياة بقلب قوي وعزيمة لا تعرف الكلل. رغم المصاعب والأيام القاسية التي واجهتها، لم تنحني أمام الرياح العاتية، بل وقفت ثابتة كالجبل، تتحمل الآلام بصبر وإيمان. كانت ترى في كل تحدٍّ فرصة لتربية أبنائها على القيم الأصيلة، وكانت تجد في كل لحظة شاقة دافعًا جديدًا لتحقيق الاستقرار لهم، ليتكّونوا في بيوت تملؤها المحبة والأمان.
فكانت أمًّا مثالية بكل ما للكلمة من معنى، لم تهب من صعوبة، ولم تملّ من عطاء. كرّست حياتها بأكملها لأبنائها، حيث نذرت نفسها لخدمتهم وتربيتهم، وعاشت من أجل رؤيتهم يكبرون أمام عينيها وينشؤون على الأخلاق والمبادئ السامية. كانت تقابل قسوة الأيام بابتسامة رضا وتفاؤل، وتؤمن أن المستقبل يحمل لهم الخير والأمان، وكأنها تقول لهم في كل لحظة إنها ستظل سندهم وقوتهم حتى آخر نفس في حياتها.
وفي لحظة الفراق المؤلمة، وسط أجواء تفيض بالحزن والأسى، اجتمع الأهل والأحباء والجيران، وأُقيمت صلاة الجنازة في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً. وعلى أنغام الترانيم الجنائزية التي رُتلت بخشوع وإيمان، جاء الجميع ليودّعوا تلك السيدة التي تركت أثرًا عميقًا في نفوسهم. كانت الجنازة مهيبة، تعبيرًا عن المحبة الكبيرة التي تحملها القلوب للراحلة، والتي لطالما كانت مثالًا للحنان والعطف. حضر الحشد الكبير ليلقوا النظرة الأخيرة عليها، وكأنهم يشكرونها على كل لحظة قضتها بينهم، وعلى كل بذرة حب زرعتها في قلوبهم.
وفي لحظات العزاء، غمرت القلوب مشاعر التأثر، إذ اجتمع الجميع ليتذكروا فضائلها وصفاتها الحميدة. كانت شخصية مؤثرة في حياتهم، وإن رحلت بجسدها، إلا أن ذكراها ستبقى حاضرة في كل زاوية من زوايا قلوبهم. وسيتذكرون دائمًا تلك الابتسامة الدافئة، والكلمات اللطيفة التي كانت تخرج من قلب محب صادق. فقد كانت مثالًا نادرًا للتفاني في خدمة الآخرين، وعاشت حياتها كأنها شمعة تحترق لتنير درب كل من حولها.
ومن المقرر أن يُقام العزاء على مدار ثلاثة أيام متتالية أمام منزل العائلة في عزبة مبارك، حيث سيكون هذا اللقاء بمثابة فرصة لالتقاء الأهل والأصدقاء والجيران، يتشاركون الأحزان ويواسي بعضهم بعضًا، يستعيدون ذكرياتهم معها، ويتحدثون عن عطائها الذي لم ينقطع، وحبها الذي لم يضعف يومًا. ستكون هذه الأيام شاهدًا على المحبة العميقة التي تحيط بها، وعلى المكانة العظيمة التي تحظى بها في قلوب من عرفوها.
وفي هذا المصاب الأليم، يتقدم الكاتب الصحفي صموئيل العشاي، رئيس مجلسي الإدارة والتحرير لجريدة “أبو الهول”، بأحر التعازي وأصدق المواساة إلى عائلة جبرائيل، تلك العائلة التي تجمعه بها روابط الجيرة الطيبة وذكريات الطفولة والشباب. وعبّر عن حزنه العميق لرحيل هذه السيدة التي كانت مثالًا للطيبة والأخلاق، والتي استطاعت بصدقها ومحبتها أن تحتل مكانة خاصة في قلبه وقلوب الجميع. وقال العشاي إنه على الرغم من رحيلها، إلا أن ذكراها ستبقى حيّة، وإن ما زرعته من قيم وأخلاق ستظل باقيةً في قلوب أبنائها وأحفادها وكل من عرفها.
كما تقدّم السيدان مينا وصبحي سويحة، ممثلين عن آل العشاي، بواجب العزاء إلى نجلها ملاك موريس، معبّرين عن عميق حزنهم لفراق هذه السيدة الكريمة التي عُرفت بأخلاقها الحميدة ومحبتها الصافية. وأكدا أن رحيلها ليس مجرد خسارة لعائلتها، بل لكل من عرفها وأحبها، مشددين على أنها ستظل دائمًا رمزًا للمرأة التي تضحي من أجل أبنائها وتكرّس حياتها لخدمة الآخرين.
إن الحياة قد ودّعت اليوم وجهًا من وجوه العطاء والخير، لكن ذكراها ستظل خالدة، وستبقى مثلًا يُحتذى به للأجيال القادمة، تعلمهم معنى التضحية والعطاء. إنها السيدة التي لم تكن مجرد إنسانة عابرة، بل كانت قصة حب وعطاء لن تنساها الأيام، وستبقى حيّة في قلوب الجميع، ملهمةً للأجيال الجديدة، تروي لهم قصة الأم المثالية التي واجهت الصعاب بكل حب ورضا.