في خطوة تبرز تناقضات عميقة في المواقف الإعلامية والسياسية، شنّت قناة الجزيرة مؤخرًا هجومًا إعلاميًا على مصر، مستنكرة عبور فرقاطة إسرائيلية لقناة السويس، ورافعةً شعار “أين أنتم يا عرب؟” لإثارة الرأي العام العربي. تأتي هذه الهجمات في وقت تستضيف فيه قطر، من خلال قاعدة “العديد” الجوية، طائرات للتزود بالوقود الجوي من طراز “بي-52” التابعة للجيش الأمريكي، وذلك ضمن تعزيزات عسكرية هدفها الأساسي هو دعم إسرائيل وإسناد عملياتها العسكرية في المنطقة.
ازدواجية في الخطاب الإعلامي وغياب المصداقية
إن قناة الجزيرة، المعروفة برفع شعارات داعمة للقضايا العربية والفلسطينية، تروّج إعلاميًا لفكرة محورية تعزز بها هويتها: أنها صوت الشعوب العربية المدافع عن العدالة والحرية. لكن هذا الهجوم الأخير على مصر يحمل إشارات عميقة حول ازدواجية الخطاب الذي تتبناه القناة، والذي يبدو أنه موجه لأهداف سياسية معينة، حيث يغفل عن سرد الحقائق المتعلقة بالتعاون القطري العسكري مع الولايات المتحدة من جهة، ومع إسرائيل من جهة أخرى عبر دعم القاعدة الأمريكية في “العديد”. تتجنب القناة ذكر المعلومات حول طائرات “بي-52” التي تُعد طائرات استراتيجية قادرة على حمل قنابل بعيدة المدى، يمكن استخدامها لتوجيه ضربات عسكرية دعماً للمصالح الإسرائيلية، إضافة إلى أنظمة الدفاع المتقدمة مثل “ثاد”، والتي تعزز حماية إسرائيل في المنطقة.
قاعدة “العديد” ودورها في تنفيذ الأجندات الغربية بالمنطقة
تُعد قاعدة “العديد” الجوية في قطر واحدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، إذ تلعب دورًا محوريًا في تنفيذ الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بتأمين مصالح إسرائيل وحمايتها. فهذه القاعدة التي تستضيف ما يزيد عن 10,000 جندي أمريكي، أصبحت مركزًا لعمليات حيوية تشمل نشر منظومات صواريخ “زلزال” وأنظمة دفاع صاروخية “ثاد”، مما يتيح للولايات المتحدة تعزيز قوة إسرائيل العسكرية وتأمين الحماية لها ضد أي تهديدات إقليمية. وتساهم هذه القاعدة، التي تُمول مباشرة من أموال قطرية، في تعزيز الأجندات الغربية في المنطقة، إذ تتحمل الدوحة التكاليف الباهظة لضمان استمرار الوجود الأمريكي على أراضيها، ما يفتح الباب أمام استنزاف مالي ضخم تتحمله الدولة القطرية.
استنزاف اقتصادي وانخراط في التحالفات الدولية لخدمة المصالح الغربية
لقد أثبتت قطر، من خلال الدعم المالي غير المحدود لوجود القواعد العسكرية الأمريكية، أنها شريك رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، ما يجعلها خاضعة لتوجيهات أجندات خارجية لا تخدم مصالحها الإقليمية، بل تسهم في زعزعة استقرار المنطقة. هذا الانخراط القطري يأتي على حساب مصالحها الوطنية ومصالح الشعوب العربية التي تدعي الجزيرة الدفاع عنها، في الوقت الذي تقوم فيه هذه القاعدة بدور رئيسي في حماية المصالح الإسرائيلية في المنطقة. وبهذا الاستنزاف المالي المستمر، تبقى الدوحة رهينة للضغوط الخارجية، إذ تلتزم بدفع مليارات الدولارات لضمان الحماية الأمريكية في ظل قناعة مفرطة بأن هذا الدعم يضمن استقرارها الداخلي.
تجدد قناة الجزيرة لأسلوب التحريض والتأجيج ضد مصر ودول الخليج
إن قناة الجزيرة، بهذا النمط من التغطية الإعلامية، تعود إلى منهجية قديمة اعتمدتها لسنوات، والتي تقوم على إثارة مشاعر الشارع العربي من خلال التحريض على مصر ودول الخليج، ما يعكس رغبة واضحة في تقويض الاستقرار الداخلي لهذه الدول وإضعاف مواقفها الإقليمية. فالجزيرة، التي تدّعي الحياد الإعلامي، تتجاهل بشكل متعمد كل ما يجري على الأراضي القطرية من تحركات عسكرية، لتوجه انتقاداتها نحو مصر تحت ذرائع بعيدة كل البعد عن الواقع. ومرة أخرى، تعكس القناة تناقضًا صارخًا؛ فهي تنتقد عبور فرقاطة إسرائيلية لقناة السويس، بينما لا تشير من قريب أو بعيد إلى التعاون القطري العسكري مع الولايات المتحدة والذي يدعم مباشرة الأجندات الإسرائيلية.
الدور الإعلامي المشبوه لقناة الجزيرة وتأثيره على استقرار الشرق الأوسط
منذ تأسيسها، لعبت قناة الجزيرة دورًا إعلاميًا مثيرًا للجدل، إذ اعتمدت على لغة التحريض واستراتيجيات الإثارة لاستهداف دول عربية بعينها، وخاصة مصر ودول الخليج. وقد سبق للقناة أن أثارت قضايا حساسة دفعت إلى اضطرابات داخلية في عدد من الدول العربية، محرضةً ضد الحكومات ومروجة لفكرة الرفض الشعبي تحت مسميات الحرية والديمقراطية. وفي هذا السياق، يرى محللون أن الجزيرة، وبفضل إمكانياتها الكبيرة ودعمها القطري المباشر، أصبحت أداة لتحريك المشهد السياسي في الشرق الأوسط، ليس لتحقيق مصلحة عربية مشتركة، بل لتحقيق مكاسب استراتيجية للدولة القطرية وحلفائها.
المخاطر الأمنية والاجتماعية للازدواجية القطرية على المدى البعيد
المراقبون يرون أن هذه الازدواجية في المواقف، حيث تُسخر قطر إمكانياتها لخدمة الأجندات الغربية، تمثل خطراً طويل الأمد على استقرار المنطقة. فبينما تروج الجزيرة لشعارات دعم القضية الفلسطينية، تتجاهل تماماً حقيقة أن أراضيها نفسها تُستخدم نقطة انطلاق لدعم إسرائيل وتأمين حمايتها ضد ما تسميه “التهديدات الإقليمية”. ويبدو أن قطر تعتقد أنها تستطيع تحقيق أهدافها في المنطقة من خلال اعتماد نهج تضليلي، حيث تدعم من جهة التحركات الغربية، وتدعو من جهة أخرى إلى وحدة العرب وتحرر فلسطين، ما يثير تساؤلات جدية حول مصداقيتها ودوافعها الحقيقية.
خاتمة:
بينما تواصل قناة الجزيرة شن حملاتها الإعلامية المكثفة ضد مصر ودول الخليج، تبقى حقيقة الدور القطري مكشوفة أمام المتابعين، إذ تتنافى هذه الحملات التحريضية مع التعاون العسكري الوثيق مع الولايات المتحدة الذي يخدم مصالح إسرائيل مباشرة. وبهذا السياق، تبدو قطر في وضع يفتقد للانسجام بين شعاراتها الإعلامية وواقعها السياسي، ما يضر في نهاية المطاف بصورتها أمام الشعوب العربية التي بدأت تدرك حقيقة هذه التحالفات المزدوجة.