طرحت الفنانة دوللي شاهين فيديو كليب أغنيتها الجديدة “أنا الحاجة الحلوة”، ليقدم تجربة فنية غنية تجسد فلسفة الحب والهجر بعمق وإحساس. نحجت دوللي في هذا العمل بالانتقال من فنانة مؤدية إلى شخصية تنبض بالعواطف المتداخلة، حيث تأخذ المشاهد في رحلة بصرية ونفسية تتناول الحب، الهجر، والألم الذي يعتري الروح بعد رحيل شريك الحياة. من خلال تصاعد أحداث الكليب وتصاعد الأحاسيس فيه، تنقل دوللي مشاعر الحبيبة التي تجد نفسها حبيسة ذكريات ماضٍ لم يعد، تسكنها لحظات الحنين، وتواجه عجزها عن النسيان.
يأتي الكليب كرحلة تأملية فنية، حيث يفتتح بمشهد رمزي معبّر لدوللي وهي تصعد السلم، مشهد يشكل مدخلًا رمزيًا لبداية رحلتها العاطفية في مواجهة ذاتها، إذ يعبر عن ثقل الأزمة العاطفية التي تلاحقها. السلم هنا ليس مجرد عنصر مادي، بل يتحول إلى رمز للطريق الصعب نحو التعافي. يمثل صعودها التدريجي للسلم رحلتها نحو البحث عن النور والخروج من ظلام الحزن، وكأنها تتحرك بين خطوات الألم والبحث عن السلام الداخلي. الصعود يمثل طموحًا لمداواة الجراح، لكن رحلة الشفاء لا تبدو يسيرة، بل تتخللها العديد من العثرات، وكأنها تسير بخطوات مثقلة بالذكريات في محاولة للعثور على معنى في وسط الألم.
المخرج مؤمن يوسف استغل زوايا الكاميرا والإضاءة المتباينة بين الظلام والضوء ليعكس الحالة النفسية المتضاربة التي تعيشها الحبيبة. الضوء والظل هنا يتفاعلان كعناصر رمزية، ليس فقط لتعكس الصراع الداخلي للحبيبة، بل أيضًا ليصورا حالتها النفسية المتأرجحة بين التعلق بالفراق والرغبة في التحرر منه. في بعض المشاهد، نرى الظلام يسيطر على المساحات، ليعبر عن لحظات من الاستسلام للألم، بينما الضوء في مشاهد أخرى يرمز لمحاولة الأمل في تخطي الأزمة. كل هذه العناصر تجعل الكليب أشبه بلوحة فنية تلتقط التناقضات الإنسانية المتجسدة في الانكسار والحاجة للاستمرار.
أما الأداء الصوتي لدوللي شاهين، فقد جاء متماسكًا وعميقًا، بحيث ينفذ مباشرة إلى وجدان المستمع ويخلق حالة من التواصل العاطفي المباشر. صوتها يحمل مزيجًا من الحنين والشوق، كأنه نداء للروح التي رحلت. تتداخل الكلمات بسلاسة مع صوتها العميق، لتجعل من “الحاجة الحلوة” ليس مجرد لقب، بل هو تعبير عن تجربة إنسانية تمثل اللحظات الجميلة التي فقدتها الحبيبة، لكنها تظل متمسكة بها رغم الألم. صوت دوللي في هذا السياق يمثل صدى المشاعر المعقدة التي تمر بها الحبيبة، وكأنها تتوسل للذكرى لتعود أو على الأقل لتترك لها تفسيرًا يخفف من وقع الرحيل، مما يجعل المستمع يشعر بواقع هذه التجربة ويعيش معها معاناة الفقد والحرمان من الحب.
ومن الناحية الموسيقية، يلعب التوزيع الموسيقي الذي أعدّه طارق حسيب دورًا محوريًا في إضفاء طبقة إضافية من العمق على الكليب. الموسيقى هنا ليست مجرد خلفية، بل تتمازج مع الكلمات لتشكّل صوتًا يعبر عن الشوق الذي يسيطر على مشاهد الفيديو. تبدأ الموسيقى بهدوء، كأنها تخطو مع صعود دوللي على السلم، ثم تتصاعد تدريجيًا، تعكس نبضات قلب مثقلة بالذكريات المؤلمة، وكأنها تستدعي تلك اللحظات التي عايشتها الحبيبة. هذا التوزيع يشبه حوارًا غير منطوق، يكمل صوت دوللي ويمنح المشاهد تجربة حسية شاملة، حيث تتردد النغمات بنعومة وحزن، تمس المشاعر وتخترق القلوب.
الكلمات التي كتبها الشاعر السيد علي حملت بعدًا فلسفيًا، حيث تطرح الحبيبة سلسلة من الأسئلة التي تمزج بين الحيرة واليأس. منذ البداية، تسأل الحبيبة بمرارة “مش كنت أنا الحاجة الحلوة اللي في عينيك؟”، وهو سؤال يحمل في طياته محاولات استكشاف الذات والعلاقة في آن واحد. هذه الأسئلة لا تهدف إلى لوم الطرف الآخر بقدر ما تعبر عن رغبتها في فهم الألم الذي يعصف بروحها ويمنعها من تجاوز العلاقة. يتداخل الألم مع الحنين ليترك الحبيبة حائرة بين الحنين ومحاولة النسيان، مما يجعل الأسئلة تجسد الحيرة البشرية العميقة في البحث عن أجوبة تساعد على تخفيف وطأة الفراق.
ويأتي الإخراج ليرسم بعدًا آخر من الرمزية، حيث نجح المخرج في تصوير مشاعر الحبيبة عبر استخدام زوايا كاميرا مدروسة، تسلط الضوء على تعابيرها الحزينة وتلتقط لحظات انكسارها بوضوح. الإضاءة المتنقلة بين الضوء والظل تعكس حالة الصراع النفسي بين الأمل واليأس، وكأنها تعيش في عالم يتأرجح بين الحنين والرغبة في التحرر من الذكريات. في بعض المشاهد، يُظهر المخرج الحبيبة في إطار مليء بالضوء الذي يوحي بالأمل، لكن في اللحظة التالية يتلاشى الضوء، ليصبح الظلام سيد المكان، موحيًا بعمق الألم الذي تعيشه.
بختام الكليب، يجد المشاهد نفسه أمام عمل يحمل بعدًا فلسفيًا وإنسانيًا عميقًا، حيث يتمكن الفن من تحويل الألم إلى تجربة بصرية تجسد مشاعر الفقدان بأدق تفاصيلها. كليب “أنا الحاجة الحلوة” لا يقتصر على كونه أغنية مصورة، بل هو عمل يستدعي مشاعر إنسانية مشتركة، ويدعو الجمهور للتأمل في المعاني الحقيقية للحب والفراق. دوللي شاهين تنجح هنا في تجسيد مشاعر الحب الذي يستمر رغم الفراق، وبهذا العمل يصبح كليب “أنا الحاجة الحلوة” تجربة فنية تجسد الألم والحنين، وتدعو المشاهدين إلى الغوص في أعماق العاطفة الإنسانية والوقوف عند معاني الحياة، التي تبقى دائمًا ممتزجة بين الحب والفراق.