لا تسألنَّ عن السبب، الكتابة عن الأحباب فرض عين، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، والكتابة عن الصديق الدكتور «نبيل حلمى» تجاوزت الفرض والواجب إلى المحبة، كنت أحبّه لله فى لله، وخلق كثير يحبونه، عاش محبوبًا، ونعاه المحبون على اختلاف ألوانهم السياسية.. الفيس اتشح بالسواد، وصور الدكتور نبيل لوَّنت الصفحات.. البقاء لله.
كلٌّ له من اسمه نصيب، والدكتور نبيل كان نبيلًا، من القلائل من حاز لقب (مجمع عليه)، ومتفق على إنسانيته الحقة، طيب الذكر (الله يرحمه) لا تفيه الكلمات مهما كانت بلاغتها، وصوره البشوشة على الفيس بوك مع تعازى حزينة تترجم محبة عميقة لفقيه قانونى معتبر لم يغادر مربع الوطنية يومًا..
كنا على موعد وغاب، غيَّبه الموت، مَلَك الموت سبقنا إلى لقائه، واصطفاه إلى ربه، بفارق توقيت.. إذا جاء أجلهم، لعلنا نحن من تأخرنا عليه، ولربما كان موعدنا فحسب للتذكرة، يذكرنا بأغلى الناس وألطفهم.
كان الله يرحمه لطيفًا، بشاشته تسبقه دومًا، وصوته مسموع، وحكيه مهضوم، وتجربته الحياتية (إن حكى، وكان مقتصدًا فى الحكى) فى عمق تجربته الأكاديمية، وإخلاصه للقضية الحقوقية مضرب الأمثال، كان حقوقيًا بامتياز.
لم يختلف عليه اثنان، (متفق عليه) إن جاز التعبير، كان طيب الذكر دومًا محل احتفاء وتقدير من تلاميذه الذين علمهم الحروف كلها، وسقاهم من معين علمه الدافق، وتقدير بالغ من رفاق الدرب الأكاديمى فى الجامعات والمعاهد والأكاديميات، من فقهاء القانون المعدودين، فضلًا عن ثلة من أخلص الأصدقاء الذين كانوا يأتنسون من الأنس بحضوره الإنسانى المحبب.
أعلاه ليس نعيًا كالمعتاد بروتوكوليًا فى حالة وفاة، وكف عزاء وسعيكم مشكور وذنبكم مغفور، الكتابة عن طيب الذكر تتعدى الروتين الذى طبع الشعور الجمعى، ليس تذكيرًا بالمواقع والمناصب الأكاديمية والإسهامات الفكرية، كلمات أتمناها ذاهبة بعيدًا تلمس القيمة الإنسانية التى كان يمثلها الدكتور نبيل حلمى فى حياتنا، كل من تواصل مع الرجل ناله من محبته قسط، وكل من التقاه حاز نصيبًا مقدرًا من الرضا، والمحظوظ بمحبته نال سعادة تكفيه.
لم أره غاضبًا قط، كان يعالج ضيقه أحيانًا باستحضار ابتسامة محببة من قاع قلبه المفعم بالرضا، ولم يشتكِ يومًا من مرض، كان صبورًا عند الابتلاء، كان يخفف عنا، ولم يطلب منا يومًا كلمة طيبة، وبكلماته الحانيات يرطب حرور الحياة، يضفى لمسته الحانية على حضور مجلسه.
ولا يتحدث كثيرًا، وإذا تحدث تلون كلماته حكمة السنين، وخبرة الأيام الخوالى، ولم يقنط يومًا، مستبشر، يحمل فى جيبه الداخلى عضوية دائمة فى نادى التفاؤل الوطنى، ولا يغيب عنه هم أمته أبدًا، يتمثل مقولة الزعيم الوطنى مصطفى كامل «وطنى لو شُغلت بالخُلدِ عنه.. نازعتنى إليه بالخُلدِ نفسى»، وكان مفعمًا بمثل هذه أبيات تترجم الحنين إلى وطن يعيش فينا.