منذ سنوات طويلة، والعلاقة بين إيران وإسرائيل تثير التساؤلات وتستدعي التحليل العميق لفهم أبعادها الحقيقية. فعلى الرغم من الصراع العلني الذي يظهر على الساحة، فإن هناك رأيًا يقول بأن العلاقة بين الطرفين أكثر تعقيدًا مما يبدو، حيث يتعاونان بشكل غير مباشر لتحقيق أهداف تخدم استراتيجيات كل منهما في المنطقة، مستغلين الخطابات العدائية لتحقيق مكاسب مشتركة تخدم مصلحة كل طرف على حدة. وبالموازاة، تتجه إيران نحو بناء تحالفات مع روسيا والصين لتعزيز موقعها الاستراتيجي في مواجهة الضغوط العالمية، وذلك تحسبًا لليوم الذي قد تجد فيه نفسها مضطرة للتخلي عن دورها الحالي أو حتى التعرض لمحاولات للإطاحة بها من الساحة الإقليمية والدولية. هذه العلاقة الغامضة تثير تساؤلات عدة حول مدى صدق العداء بين إيران وإسرائيل، وحول الدور المستقبلي الذي من الممكن أن تلعبه طهران في حال تغيرت موازين القوى في الشرق الأوسط.
المسرحية الإعلامية: الضربة الإسرائيلية الوهمية وتضليل الرأي العام
في الفترة الأخيرة، طالعنا العالم بضربة عسكرية إسرائيلية مزعومة استهدفت إيران، حيث قُدّمت هذه العملية كحدث كبير في وسائل الإعلام، لكن كثيرًا من المتابعين والمحللين وصفوها بأنها “ضربة كرتونية” تفتقر للواقعية، واعتبروها جزءًا من لعبة إعلامية منسقة بين الطرفين. فعلى عكس الروايات الرسمية، فإن عدد الطائرات المشاركة في الهجوم كان محدودًا للغاية، حيث لم يتجاوز 14 طائرة، على الرغم من الترويج الإعلامي الواسع الذي أشار إلى مشاركة 100 طائرة في العملية، وهو ما يبدو بعيدًا عن الواقع. ولعل الأدهى من ذلك، أن الأهداف الإيرانية كانت قد تم الإبلاغ عنها مسبقًا، مما يثير التساؤلات حول مدى التنسيق بين الطرفين لخلق استعراض إعلامي لا أكثر.
عند الحديث عن الأهداف التي زعمت إسرائيل استهدافها، نجد أن الأرقام تضاربت بشكل لافت. فقد أعلنت إسرائيل أنها استهدفت 20 هدفًا، في حين تشير التقارير إلى أن المواقع الحقيقية التي استهدفت لم تتجاوز خمسة أهداف فقط، وجميعها كانت فارغة من الجنود والمعدات العسكرية. بل ولم يكن في تلك المواقع سوى هياكل معدات قديمة لا قيمة استراتيجية لها. من بين هذه الأهداف الخمسة، نجد ثلاث رادارات قديمة للدفاع الجوي في ضواحي طهران، بالإضافة إلى رادارين حدوديين في محافظتي إيلام وخوزستان. المثير للاستغراب أن الصواريخ المستخدمة حملت رؤوسًا حربية ذات قدرة تدميرية متواضعة، لا تزيد زنتها عن 100 كجم، وهو ما لم يترك أي آثار مرئية للضربة، على عكس الضربات الإسرائيلية المعتادة التي تستخدم فيها قنابل تزن 2000 رطل في مناطق أخرى، مثل غزة ولبنان، مما يخلق انفجارات ضخمة تضيء سماء المنطقة لمسافات بعيدة.
إشغال سوريا والعراق: توريط جديد في مسرحية مدبرة
في إطار هذه العملية الكرتونية، لعبت سوريا والعراق دورًا غير مباشر، حيث تم إشغالهما وإيهامهما بوجود تهديدات حقيقية على أراضيهما بهدف تأمين عبور الطائرات الإسرائيلية وعودتها بأمان. تم تنفيذ ذلك من خلال إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ كاذبة، بالإضافة إلى عمليات تشويش إلكتروني واسعة النطاق على مسار الطائرات الإسرائيلية الحقيقية، مما خلق حالة من الفوضى على طول خط سير الطائرات وعرقل قدرة الدفاعات الجوية السورية والعراقية على التمييز بين الأهداف الحقيقية والأهداف الوهمية. وبالفعل، استمرت وحدات الدفاع الجوي والمضادات الأرضية في التعامل مع هذه الأهداف الكاذبة، ما جعل الأخبار تضاربت بسبب أصوات الصواريخ وإطلاق النيران في مختلف الاتجاهات، واعتقد البعض أن هناك هجومًا إسرائيليًا فعليًا على الأراضي السورية والعراقية، قبل أن يتضح أنها كانت مجرد مشاغلة استراتيجية لتأمين الهجوم الوهمي على إيران.
هل انتهى دور إيران أم ستستمر في خدمة المصالح الصهيونية العالمية؟
اليوم، ومع تصاعد الأحداث، يبدو أن إيران تواصل دورها في إطار استراتيجية محكمة قد تكون خدمت أهدافًا سياسية أكبر مما يتوقعه البعض. فقد شهدنا مؤخرًا تحركات مكثفة لوزير الخارجية الإيراني، حيث قام بجولات دبلوماسية في العديد من العواصم، بينما وجه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية والرئيس الإيراني رسائل متكررة تحمل في طياتها رغبة واضحة في البقاء تحت “الطاعة الصهيونية”، كما يقول البعض. لم تقف الرسائل عند هذا الحد، بل إن أذرع إيران في المنطقة، مثل حزب الله وحماس، قامت بإعادة تأكيد التزامها بتنفيذ الأوامر دون تردد. وفي سياق الاستجداء السياسي، وصلت إيران إلى حد تهديد دول الخليج العربي كجزء من دور “الفزاعة” المفروض عليها، حيث أكدوا أنهم لن يورّدوا أسلحة لحزب الله أو حماس، بل سيتعاونون تمامًا مع أي مطلب يصدر من الجهات الدولية الكبرى.
هذا التحول الواضح في السياسة الإيرانية يعكس فشلها في تحقيق مكاسب ملموسة على الساحة الإقليمية، ويبدو أن طهران قد قبلت بواقعها الحالي بعد أن عجزت عن بسط نفوذها بشكل أكبر. أما الخسارة الأكبر، فقد تمثلت في تخلي إيران عن دعمها غير المشروط لحزب الله وحماس، وذلك ضمن التفاهمات الجديدة مع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، في ظل استمرارها في تنفيذ المخططات التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وتوسيع نطاق السيطرة على الأراضي والموارد في المنطقة.
الاستجابة العربية: دور مصر والسعودية والإمارات في إحباط المخططات الإقليمية
في ظل هذا الوضع المعقد، برزت دول عربية، وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات، كقوى أساسية تعزز من استقرار المنطقة وتعمل على حماية مصالحها المشتركة. فقد أطلقت مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعوة لتعزيز الرؤية العربية المشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية، وهو ما استجابت له العديد من الدول، مثل السعودية والإمارات. هذا التكتل العربي ساهم في إفشال العديد من المخططات التي كانت تستهدف إشعال صراعات جديدة في الشرق الأوسط، ومنح قوة إضافية للسعودية التي كررت رفضها لضغوطات التطبيع رغم التهديدات المتكررة والضغوطات المستمرة التي تمارسها أطراف دولية.
خاتمة: بين لعبة إيران وإسرائيل والوعي العربي
من خلال كل هذه التحركات، يتضح أن التفاهمات بين إيران وإسرائيل قد تبلورت لتبقي الوضع الراهن، ولتستمر إيران في لعب دورها كأداة تهديد لدول الخليج، وهو ما يدعو إلى ضرورة أن تواصل الدول العربية تعزيز التنسيق فيما بينها وتوحيد موقفها لمواجهة هذه المخاطر التي تهدد استقرار المنطقة.