شريف الأسواني يكتب
تتجاوز الدولة المصرية بكل عزيمة وإرادة جميع المحاولات المدبرة لجرها إلى دوامة الصراعات والأحداث المتشابكة، أو للانزلاق في عداءات مفتعلة مع دول النزاع. سواء كان ذلك بشكل مباشر أو من خلال وكلاء، تختار مصر بحكمة كبيرة مسار الصبر الاستراتيجي، متجنبة شبح الكراهية، وساعية في الوقت نفسه لتحقيق السلام في منطقة تموج بالتحديات والأزمات.
عندما نتحدث عن التحديات التي تواجه الدولة المصرية في ظل الظروف المعقدة التي تعصف بالمنطقة، نجد أن هناك تشابهاً لافتاً مع الأجواء السائدة في حقبة الستينات، حيث كان الاستنزاف البشري وتفشي الأزمات هما السمة الغالبة. تجد مصر نفسها مجبرة على اتخاذ موقف حذر، تحاول فيه عدم السماح بتفاقم الصراعات وضمان استقرار الوضع الإقليمي. إن هذا الصبر المصري ليس مجرد استراحة في زحمة الأحداث، بل هو تجسيد لرؤية بعيدة المدى وقرار مدروس يهدف لحماية المصالح الكبرى وتجنب التصعيد، حيث يصبح الصبر هنا سلاحاً استراتيجياً يمنح مصر القوة التي تحتاجها في سعيها لحلول دبلوماسية مستدامة.
يتجلى المشهد المصري اليوم كحكمة باذخة تعكس قدرة الدولة على قراءة الواقع بدقة، حيث تتمكن من استيعاب الأحداث السريعة والمفاجئة التي تحيط بها، ومن ثم اتخاذ الخطوات الضرورية التي تساعد على الحفاظ على الأمن والسلم. فالصبر الذي تبلغه مصر في كل تحركاتها الإقليمية هو انعكاس لالتزامها العميق بضرورة تعزيز الحوار والتفاهم بين جميع الأطراف.
تعتبر الصراعات من أكثر الأحداث المدمرة والمأساوية التي تؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات بأسرها، حيث تتخطى آثارها الأبعاد الإنسانية لتصل إلى حالة مزمنة من عدم الاستقرار يصعب علاجها على المدى القريب. تلك الأزمات لا تقتصر فقط على استهلاك الموارد المادية والبشرية، بل تخلق شروخاً عميقة بين الشعوب، مما يفتح المجال أمام انزلاقات خطيرة تؤدي إلى تصاعد التوترات والمشاعر السلبية، مثل الكراهية والرغبة في الانتقام، ما يهدد الاستقرار على المدى البعيد.
في ظل الصراعات المستمرة، تتغير المعتقدات والاتجاهات لتصبح مغمورة في اليأس، تاركة آثاراً دائمة على الأجيال القادمة. تتجلى آثار الحروب في عمليات القتل والتهجير وفقدان الأمن والاستقرار، مما يترتب عليه انتهاكات حقوق الإنسان التي تظل عالقة في ذاكرة الشعوب. مهما حقق أحد الأطراف من مكاسب، يبقى الجميع في نهاية المطاف خاسرين، حيث تغدو المجتمعات كلها ضحية لهذا الصراع المدمّر.
في سياق هذه الصراعات، نشهد تصاعداً في الأزمات، لا سيما في “الشرق الأوسط”، حيث تتحمل الدول المجاورة العبء الأكبر من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، كما هو الحال في الصراع السوداني، حيث أدت الأحداث إلى تداعيات خطيرة ضيّعت بلاداً غنية بالتاريخ والثقافة، وأتت على آمال شعب يسعى لمستقبل أفضل.
تشهد منطقة القرن الأفريقي صراعات داخلية، إضافة إلى تدخلات من قوى خارجية تؤثر على الخارطة الجيوسياسية والتحالفات الدولية، مع تصاعد التوترات الاقتصادية والسياسية. وما يجري في فلسطين ولبنان لا يمكن تجاهله، فالأحداث الجارية بين إسرائيل وإيران تمثل قلقاً مستمراً، وقد زاد الوضع سوءاً بعد اندلاع أحداث السابع من أكتوبر 2023، مما دفع بمصر إلى العمل على إيقاف هذه الحرب بمواقف ثابتة تدعو للسلام.
في هذه الأوقات العصيبة، تعتمد الدولة المصرية على الصبر الاستراتيجي كوسيلة للسيطرة على الأوضاع وتحقيق السلام العادل. لقد أثبتت مصر نجاحاً ملحوظاً على المستوى الأفريقي، حيث تعززت العلاقات مع العديد من الدول الأفريقية، خاصة في حوض النيل، ما يعكس التزامها العميق بالاستقرار الإقليمي.
نرى أن الصراع يمتد بين الصومال وإثيوبيا، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم صومالي لاند، ما يمنح إثيوبيا منفذاً بحرياً على البحر الأحمر لبناء قاعدة عسكرية. وفي ظل هذا، نجد الصومال تحاول استعادة السيطرة على إقليمها من خلال تعاون عسكري مع مصر، حيث تم توقيع اتفاقية دفاع عسكري مع الجيش الصومالي، بهدف تحقيق السيادة واستعادة الأوضاع الأمنية.
وعلى الجانب الآخر، تعيش السودان ظروفاً صعبة، حيث أثرت الصراعات الداخلية على استقرار الدولة، بعد أن أقدمت الميليشيات على تحطيم طائرة شحن روسية، كرد فعل على توقف الدعم الروسي. هذا يعكس الانقسام الذي يعصف بالسودان منذ انقلاب 2021، حيث تعيش البلاد صراعاً مريراً بين العسكريين وقادة الحركة الاحتجاجية.
ومع تصاعد مطالب دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، تتعقد الأمور بشكل أكبر، حيث يواجه الجيش السوداني تحديات جديدة تتعلق بالولاء والانقسام. إن استمرار هذه الصراعات يعكس ضرورة توحيد الجهود لبناء جيش وطني موحد، الأمر الذي يعد من أساسيات بناء الدولة المستقرة.
تتغير خريطة التحالفات في السودان، حيث يظهر حميدتي، قائد الدعم السريع، بموقف عدائي تجاه روسيا، مما يثير القلق حول مستقبل هذا الدعم. مع إعلان روسيا دعمها للجيش السوداني بقيادة البرهان، تتغير المعادلة، ويبدو أن هناك فرصة جديدة لاستعادة السيادة السودانية.
تخوض الدولة المصرية معركة دبلوماسية في قمة الروعة والتميز، تشبه الأجواء التي سادت قبل عام 1973، حيث كانت الإرادة أقوى من التحديات. تقدم مصر كل الدعم والمساندة للجيشين الصومالي والسوداني في جهود استعادة الاستقرار، وتعمل كوسيط استراتيجي لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، في وقت تتزايد فيه الصراعات والحروب الإقليمية.
إن الدولة المصرية تسعى جاهدة لترسيخ مفهوم جديد في المجتمع الدولي، متمسكة بحقوق الشعوب والتاريخ. تلعب السياسة المصرية دوراً بارزاً في سن قوانين تضمن الفاعلية والنجاح للقوى السياسية المتحكمة في الصراع. وفي خضم هذه المشاهد الدموية، نجد قيادة حكيمة تسعى لتعميق العدالة وفرض الأمن في كل من فلسطين ومنطقة القرن الأفريقي، محافظةً على سيادتها واعتبارها.
لا شك أن الآلة الحربية تدمر البنى التحتية وتؤثر سلباً على حياة الشعوب، مسببة خراباً لسنوات طويلة. بفضل الله وبفضل القيادة المصرية، لا تزال مصر تعمل بلا كلل للحفاظ على سلامة أراضيها وشعبها، في سعيها المستمر لتحقيق السلام والأمن الإقليمي والدولي.