الفأل الحسن، والمفتى شوقى علام بلباس الإحرام، متوجهًا بقلبه وجوارحه نحو الكعبة المشرفة، داعيًا لمصر بدعاء الخليل، عليه السلام: «رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات»، يتلقى خبر تجديد الثقة من رئاسة الجمهورية في موقعه مفتيًا للجمهورية.
رجال الدين نوعان، رجل ينبعث من حديثه ريح الجنة، فيطيب قلبك ويرق، ورجل حديثه يُصليك نارًا، يُحيل حياتك جحيمًا لا يُطاق، رجل يبشر بالجنة التي توعَدون، ورجل يُنذركم بالنار وبئس القرار، رجال الجنة ندرة، ورجال النار يجولون في الأسواق ببضاعة تبعث على القنوط.
من رجال الطيب والمسك وريح الجنة فضيلة الدكتور «شوقى علام»، مفتى الجمهورية، تأنس لطلّته العادية بلا بهرجة ظاهرية ولا افتعال ولا تقعر، تألف حديثه البسيط النابض بالمحبة، يقدم الإنسانية على ما سواها، ويُيسر على الناس شؤون حياتهم دون تفريط أو إفراط، ما يبعث على البِشر.
الدكتور شوقى بهدوء محبب، يُعمِل العقل مصطحبًا النص في تجليه وتنزيله على الواقع، دون انغلاق، أو تفريط، أو إفراط، وعنوانه الدين يسر لا عسر، اتساقًا مع قول الحبيب، (صلى الله عليه وسلم): «إن الدين يسر.. ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه».
تلقى اجتهادات الدكتور شوقى قبولًا طيبًا، وشيوعًا محببًا، بنبرة هادئة دون زعيق لافت أو تمثيل ممجوج، الرجل يستحيى من الله، ولا يُفتى إلا بما يُمليه الضمير وفق قواعد شرعية حاكمة، لا يغادرها، ولكن يفتح باب الاجتهاد بِرَوِيّة، الباب الذي أُغلق طويلًا في وجوه المجتهدين.
الدكتور شوقى لا يتجاوز دوره كمفتٍ، ليس لديه خلط في الأدوار، قانع بإسهامه الشرعى والفقهى والعدلى، وقبلها وبعدها متقبل تمامًا الخلاف في الاجتهاد، متمثلًا القاعدة، اختلافهم رحمة، وقول الإمام الشافعى: «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب».
من فضائل فضيلته تعلية المتفق عليه على المختلف فيه، ولا يضيق حتى بالعلمانيين، ولا يبتدرهم العداء، ومحرم لديه ابتداء التفسيق والتكفير، ذاهبًا إلى التفكير والحوار، والبحث عن المشتركات الإنسانية.
المفتى الجليل نذر علمه لتأسيس ما يسمى «فقه الدولة الوطنية»، واجتهاداته الفقهية جميعًا تصب في هذا الاتجاه الوطنى المعتبر، علمًا بأن «فقه الدولة الوطنية» فقه حديث، ندرة هي الاجتهادات في السياق.
ورغم أن الدولة أقدم كثيرًا من الجماعات جميعًا، ولكن لم تفطن المؤسسة الدينية الرسمية لتأصيل فقه الدولة، وغفلت المرجعيات المعتمدة عن تأصيله واستنباطه واستزراعه، وطنًا وعلمًا ونشيدًا، واستقتلت الجماعات في مقاومة فقه الدولة، وتشويه فكرة الدولة في أذهان العوام، فنزعت القدسية عن الحدود، وتجاوزت الجماعات الحدود، كل الحدود، وصار الانتماء للوطن محل شك كبير.
الدكتور شوقى باجتهاداته المؤصَّلة من القرآن والسنة وسيرة المصطفى، عليه الصلاة والسلام، يعوض غيبة الاجتهادات الفقهية المؤسِّسة لفقه الدولة الوطنية، ويرفع في وجه الجماعات فقهًا مواجهًا لا يخشى في حق الله لومة لائم.
مفتى قوى الشكيمة لا يلين لهم موالسة، ولا يلقى بالًا لتخرصاتهم، ولا يتولى يوم الزحف، ويأنف القعود، وينفر إلى تأصيل وتأسيس فقه الدولة الوطنية.
للأسف القعود كلفنا خسارة الغالى والنفيس، قعودًا عقودًا تشكل قرونًا، سمح لفقه الجماعة أن يسود ويستشرى ويتمدد في الأرض الخلاء وفى الفضاء الإلكترونى فقهًا يستهدف الدول تكفيرًا، ويوطِّئ للخروج على الحكام، ويُكفر المحكومين، ويُصِمهم بالجاهلية، جاهلية المجتمعات المكون الرئيس لفقه الجماعات تمددًا في البراح الذي كان!.