تواجه مصر تحديات غير مسبوقة في ظل استضافتها لنحو 30 مليون لاجئ من 132 دولة، معظمهم من دول مزقتها النزاعات، مثل السودان وسوريا وجنوب السودان واليمن والعراق والصومال. هذا العدد الهائل من اللاجئين يضغط بقوة على موارد مصر المحدودة، ويرفع الطلب على التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان، ليضيف أعباء ضخمة على كاهل الحكومة والمجتمع المصري. وفي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة، يصبح من الصعب على مصر تلبية احتياجات اللاجئين والمواطنين معًا في هذه الظروف القاسية.
لكن بدلًا من تقديم الدعم اللازم لمصر، تقوم الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالضغط من خلال صندوق النقد الدولي، حيث تفرض شروطًا مالية صارمة، وكأنها تعاقب مصر على موقفها الإنساني، بينما تقدم مساعدات محدودة لا تتناسب مع الأعباء. وتجد مصر نفسها مضطرة للاستدانة لتوفير الغذاء والمأوى لهذا العدد الضخم من اللاجئين، مما يزيد من أزمتها الاقتصادية، وسط استياء شعبي نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور الذي يُثقل كاهل المواطنين.
أمام هذا التحدي، ربما يكون من الضروري تبني سياسة مرنة تجاه اللاجئين، تتضمن السماح لهم بمغادرة مصر نحو وجهات أخرى مثل أوروبا أو المكسيك، بحثًا عن حياة أفضل. قد يبدو هذا الخيار جريئًا، لكنه قد يكون السبيل الوحيد لتخفيف الضغط الهائل على مصر، بما يمكّنها من تخصيص مواردها بشكل أفضل لحل الأزمات الداخلية.
وينبغي أن تكون رسالة مصر للغرب حازمة وواضحة: مصر تحملت الكثير نتيجة سياسات الدول الكبرى في الشرق الأوسط، وعليها الآن أن تتحمل جزءًا من المسؤولية الإنسانية. فاللاجئون الذين تستضيفهم مصر هم ضحايا تلك السياسات الغربية التي عمّقت الأزمات الإقليمية.
يجب أن تُدرك الدول الغربية أن دعم مصر في هذه الأزمة ليس خيارًا، بل ضرورة مشتركة من أجل استقرار المنطقة. لا بد أن تكون المساعدات الدولية لمصر متوازنة ومتناسبة مع حجم الأعباء، لتعكس دعمًا حقيقيًا وملموسًا يمكن لمصر أن تعتمد عليه لتخفيف التحديات الاقتصادية.
وبينما قد تواجه هذه السياسة بعض الانتقادات، تظل مسألة السماح للاجئين بالانتقال إلى وجهات أخرى خيارًا واقعيًا وأكثر إنصافًا لتوزيع الأعباء على نطاق أوسع، خاصة وأن تحرك اللاجئين بحرية قد يساعد في الحد من الضغط المالي والاجتماعي الهائل على مصر، ويمنحها الفرصة للتركيز على أولويات شعبها. وبهذا يمكن لمصر أن تستعيد استقرارها وتستمر في تقديم خدمات حيوية لمواطنيها في ظل تحديات متنامية.
ختامًا، لا بد أن تتبنى مصر سياسات جريئة ومرنة للتعامل مع حركة اللاجئين كوسيلة تخفيف للعبء الاقتصادي والاجتماعي، وتوجيه رسالة للغرب بأن مصر بحاجة إلى شراكة حقيقية لمواجهة التحديات الراهنة. إن إغماض العين عن توجّه اللاجئين نحو أوروبا أو المكسيك قد يكون قرارًا غير تقليدي، لكنه يعكس أهمية التعاون الدولي وتحمل المسؤولية المشتركة لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.