منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي زمام القيادة في مصر، تشهد البلاد نقلة نوعية على المستوى الدولي. فقد بذل جهوداً دبلوماسية متواصلة من خلال سلسلة زياراته الدولية ومشاركته في القمم العالمية، لإعادة إحياء الدور المصري الريادي في المنطقة والعالم. أسهمت تلك التحركات في دعم المصالح المصرية على عدة مستويات تشمل الأمن والسياسة والاقتصاد. برزت الدبلوماسية المصرية كأداة أساسية لتعزيز الشراكات والتعاون مع القوى الكبرى والاقتصادات الصاعدة، مما يطرح سؤالاً حول كيفية تعزيز مكانة مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
التحالفات الدولية
وضع الرئيس السيسي تعزيز مكانة البلاد على الساحة الدولية ضمن أولوياته، من خلال بناء شبكة علاقات وتحالفات تستند إلى المصالح المتبادلة. انطلقت جهوده الدبلوماسية عبر زيارات إلى دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، مما أسفر عن تعاون أعمق في مجالات حيوية مثل مكافحة الإرهاب وتنمية الاقتصاد وتطوير التكنولوجيا. هذه التحركات عززت الأمن الإقليمي وساهمت في تحقيق رؤية مصر نحو استقرار وتنمية شاملة، مما يرسخ موقعها كقوة إقليمية مؤثرة في النظام الدولي.
التعاون مع الولايات المتحدة
على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها مصر من الإدارات الديمقراطية السابقة، نجح السيسي في تحويل العلاقات إلى صداقة استراتيجية. شكل فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تغييرًا في الدفة السياسية الأمريكية، مما ساعد السيسي على تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين. كانت زياراته المتعددة للولايات المتحدة عاملًا أساسيًا في بناء الثقة، خاصة في مجالات الأمن والتعاون العسكري. كما تعاون السيسي مع الأمريكيين في ملف مكافحة الإرهاب، مما يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
العلاقات مع روسيا والصين
أصبحت علاقات مصر مع روسيا والصين أعمق من أي وقت مضى، حيث وقع السيسي على عدة اتفاقيات استراتيجية مع موسكو وبكين في مجالات متعددة مثل الدفاع والطاقة والنقل. ساعد السيسي في توجيه الاستثمارات الصينية نحو مصر، خصوصًا في مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة، مثل مدينة بنبان للطاقة الشمسية، التي تعد من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم. كما أسهمت العلاقات مع روسيا في تعزيز القدرات العسكرية لمصر عبر صفقات نوعية، مما يدعم الأمن القومي المصري.
رؤية السيسي للسلام
ركز السيسي في سياسته الخارجية على استعادة الاستقرار الإقليمي ودعم جهود السلام. وقد لعب دورًا محوريًا في عدة قضايا حساسة، ساعيًا لحل النزاعات بطريقة سلمية تضمن وحدة وسلامة الدول المجاورة. من خلال مبادرات دبلوماسية نشطة، سعى السيسي لتعزيز الحوار بين الأطراف المتنازعة، مما أدى إلى نتائج إيجابية في بعض الحالات.
الملف الفلسطيني
تعد القضية الفلسطينية إحدى أولويات السيسي، حيث عمل على استضافة عدة جولات من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لم يكتفِ بالوساطة، بل أكد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، كسبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة. تسعى مصر بفاعلية لدعم حقوق الفلسطينيين ومطالبهم المشروعة، وقد أبدت استعدادها للعمل مع مختلف الأطراف الدولية لتحقيق تقدم في هذا الملف.
الوضع في ليبيا وسوريا
أبدى السيسي موقفًا واضحًا من الصراع في ليبيا وسوريا، مؤيدًا الحلول السياسية التي تحترم سيادة الدول. بالنسبة لليبيا، عملت مصر على دعم الجيش الوطني الليبي وتوحيد مؤسساته، لضمان حماية الأمن القومي المصري. أما في سوريا، فقد أكد دعمه لوحدة الأراضي السورية، رافضًا أي تدخل أجنبي يسعى لتقسيم البلاد. هذا الموقف يعكس التزام مصر بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، في الوقت الذي تسعى فيه لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
الاقتصاد والتنمية
تأتي قضايا الاقتصاد والتنمية على رأس أولويات السيسي في دبلوماسيته الدولية، حيث يسعى لجعل مصر مركزًا إقليميًا للتجارة والاستثمار. حرص على حضور قمم اقتصادية عالمية مثل مجموعة العشرين وقمة البريكس، وعرض المشروعات المصرية بحثًا عن شراكات استراتيجية تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
قمة البريكس
مثلت مشاركة مصر في قمة البريكس خطوة محورية نحو تعزيز العلاقات مع الاقتصادات الناشئة، مثل الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا. سعت مصر لتكون جزءًا من هذه التكتلات الاقتصادية الجديدة، التي توفر فرصًا للتعاون المشترك والتبادل التجاري. أسهمت مشاركة السيسي في بناء جسور من الشراكات الاقتصادية، مما يعزز من قدرة مصر التنافسية في الأسواق العالمية.
جذب الاستثمارات
حرص السيسي على جذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة. يُعد مشروع مدينة بنبان للطاقة الشمسية مثالًا على نجاح هذه الجهود، حيث شهد تدفق استثمارات ضخمة من شركات دولية. تعتبر المدينة واحدة من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، وقد أسهمت في خلق فرص عمل للشباب وتخفيف الاعتماد على الموارد التقليدية.
التعاون مع دول الخليج
نجح السيسي في تعزيز التعاون مع دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، مؤسسًا شراكات استراتيجية تتعلق بالأمن القومي. أسهم هذا التعاون في بناء جبهة عربية قوية قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة. كما أن هذه الشراكات تهدف لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، مما يعكس التزام السيسي بتحقيق المصالح المشتركة للدول العربية.
الانخراط في الشأن الأفريقي
أعاد السيسي إحياء العلاقات مع الدول الأفريقية من خلال مبادرات دعم التنمية والاستقرار. تسعى مصر إلى تعزيز حقوقها المائية عبر التفاوض مع دول حوض النيل، لا سيما في سياق سد النهضة. خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، عمل على تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الأفريقية، مما أعاد لمصر دورها المؤثر في الساحة الأفريقية.
خاتمة
تُظهر دبلوماسية السيسي أن التحركات ليست مجرد خطوات تقليدية، بل تعد نقلة نوعية تهدف لتعزيز مكانة مصر إقليمياً ودولياً. فقد تمكن السيسي، من خلال زياراته ومشاركته الدولية، من خلق تحالفات متعددة الأبعاد ودعم مشروعات التنمية المستدامة، مما يعكس التزام مصر بالقضايا العربية والإسلامية ويعزز من دورها كداعم للسلام والاستقرار في المنطقة.