الأزمة الأخيرة التي شهدتها الكنيسة القبطية أظهرت بشكل جلي الحكمة والبصيرة التي يتمتع بها الأنبا إرميا، الأسقف العام والمسؤول عن التثقيف والتنوير من خلال المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي. ففي الوقت الذي اشتدت فيه الأزمة نتيجة اعتراضات البعض من شعب الكنيسة حول كلمات اثنين من المتحدثين في اجتماع كنسي للأساقفة، كان تدخل الأنبا إرميا حاسمًا وهادئًا، ليضع الأمور في نصابها ويعيد الهدوء للكنيسة.
منذ البداية، أبدى الأنبا إرميا وعيًا تامًا بحساسية الموقف، إذ خرج بتصريح يؤكد فيه أن الكنيسة القبطية تجمعها المحبة بين الآباء الأساقفة والشعب، وفي مقدمتهم قداسة البابا تواضروس الثاني. هذا التصريح جاء ليواجه سيل الأكاذيب والشائعات التي انتشرت في الأوساط المختلفة، ويبدو أن تلك الشائعات قد أثارها بعض الأطراف بقصد التأليب وإشعال الأزمة.
ما أثار الإعجاب بحكمة الأنبا إرميا، هو أسلوبه في التعامل مع الوضع بحنكة وهدوء، مشددًا على أن الحوار يجب أن يكون قائمًا على الحب والتفاهم، وأن الكنيسة القبطية مؤسسة متماسكة على مر العصور، لا يمكن أن تتأثر بشائعات مغرضة. وبالفعل، جاء بيان قداسة البابا تواضروس الثاني ليؤكد هذه الرؤية، ويعيد الأمور إلى نصابها.
في البيان الذي صدر تحت عنوان “المحبة لا تسقط أبداً”، أوضح قداسة البابا أنه بعد تلقي ملاحظات من بعض أعضاء المجمع المقدس، تقرر تأجيل السيمنار العاشر الذي كان مقرراً عقده في الشهر المقبل، وذلك لمنح مزيد من الوقت للدراسة والإعداد الجيد، مع الاعتذار لجميع الحاضرين. هذه الخطوة جاءت لتؤكد أن الكنيسة حريصة على تنظيم فعالياتها بشكل مدروس ومنسق، وأن أي أمر يتطلب المزيد من النقاش والدراسة لن يتم تمريره إلا بعد التأكد من جاهزية كل التفاصيل.
وأشار البيان إلى أن السيمنار ليس اجتماعًا رسميًا للمجمع المقدس، بل مجرد مؤتمر دراسي حول أحد موضوعات الخدمة والرعاية، وأنه لا يناقش أي موضوعات عقائدية أو يصدر عنه قرارات أو توصيات. هذا التوضيح كان ضروريًا لقطع الطريق على أي تأويلات أو شائعات قد تستغل المناسبة للتأليب أو إثارة البلبلة. البيان جاء واضحًا وحاسمًا في تأكيد أن القرارات الإيمانية تُتخذ فقط في الجلسات الرسمية للمجمع المقدس التي يرأسها البابا.
ولم يقف الأنبا إرميا عند هذا الحد، بل كان له دور محوري في دعم بيان قداسة البابا تواضروس، والتأكيد على وحدة الكنيسة واستمرارها في مسيرتها الروحية. من خلال المركز الثقافي القبطي، يعمل الأنبا إرميا على نشر الوعي والثقافة بين أبناء الكنيسة، ويعتبر أحد أهم الركائز الفكرية التي تسهم في توجيه الأجيال القادمة نحو الفهم الصحيح للعقيدة والتاريخ الكنسي.
وعندما أصدر البابا دعوته للجنة الدائمة للمجمع المقدس لعقد اجتماع قريب لمناقشة بعض الأمور التدبيرية والرعوية، كان هذا دليلاً إضافياً على أن الكنيسة تمضي بخطى واثقة نحو معالجة أي قضايا داخلية بروح منفتحة قائمة على الحوار. هذا القرار يعكس روح التجديد والتطوير المستمر داخل الكنيسة، في ظل قيادة حكيمة يقودها قداسة البابا ومعه الأساقفة، وعلى رأسهم الأنبا إرميا، الذي يجسد نموذجاً رائعاً للقيادة الروحية والعقلانية.
لقد أظهرت هذه الأزمة أن الحكمة والرؤية الواضحة هي مفتاح التغلب على التحديات. فالأنبا إرميا، بوعيه العميق وثقافته الواسعة، تمكن من تفادي فخاخ الأزمات، وأثبت أن الكنيسة القبطية تظل قوية ومتماسكة أمام أي محاولات لإثارة الخلافات. إنه يقود العمل التثقيفي في الكنيسة بروح المحبة والإخلاص، مؤكداً أن التعليم والتنوير هما الركيزة الأساسية لبناء مجتمع كنسي واعٍ ومتحضر.
وفي النهاية، يمكن القول إن حكمة الأنبا إرميا ليست مجرد صفة شخصية، بل هي نموذج يُحتذى به في العمل الكنسي. لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن الكنيسة القبطية ليست فقط مؤسسة دينية، بل هي أيضًا مدرسة لتعليم الحكمة والتسامح، وفي مقدمة هذه المدرسة يقف رجال أمثال الأنبا إرميا، الذين يسعون دائمًا للحفاظ على وحدة الكنيسة ونشر قيم الحب والسلام.
وسلاماً وبنياناً لكنيسة الله…