ويكفى ذم الدَّين ما حفظه الناس عن آبائهم الأولين أن «الدين همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار»،
وينسحب غرم الدين على الدول كما ينسحب على الناس، لذا تفاءلت (بحذر) مع صدور تقرير البنك المركزى الأخير «كشف البنك عن تراجع حجم الدين الخارجى لمصر إلى 152.9 مليار دولار بنهاية يونيو 2024، مقابل 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023 ».
وترجمة التقرير تراجع فى الدين الخارجى بنحو 15.134 مليار دولار فى الـ 6 أشهر الأخيرة.. وفى التفصيل، سجلت الديون قصيرة الأجل تراجعا 26.24 مليار دولار، مقابل 29.482 مليار دولار، وأرصدة الديون الخارجية المستحقة على الحكومة تراجعت إلى 80.178 مليار دولار مقابل 84.849 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023.
بشرة خير، بارقة أمل، تقرير ذو مصداقية متفائل، ويحض على المضى قدما فى طريق سداد القروض التى أثقلت كاهل الدولة المصرية، مضى عقد ثقيل بثقل الديون، كانت العناوين قروضا تخلف ديونا، العناوين تتغير، سداد القروض وخفض الديون، تغيير للأفضل، ويجب كبح القروض، إلا فى استثناءات مقدرة بقدرها ومقررة بضروريتها، سياسة القروض الخارجية مستوجب مراجعتها بالكلية، تبعاتها مريعة، هم بالليل وذل بالنهار.
البنك المركزى لا يكذب ولا يتجمل، والأرقام فى البيان أعلاه لا بد أن تقرأ جيدا، وبأمانة، ما يغرى بالتفاؤل الحذر، الاقتصاديون، عادة، لا يفرطون فى التفاؤل.. فى العقيدة الاقتصادية الوطنية، القروض فروض، ومصر تؤدى فروضها؛ أى قروضها، على وقتها، وطوال تاريخها الطويل لم تتأخر يوما عن سداد ما عليها راضية مرضية متحملة المشاق فى طريق صعب فرضته أحداث جسام عصفت بمقدرات الاقتصاد الوطنى.
دولة تعرضت لتجريف اقتصادى مريع، وتخريب متعمد، وحصار عالمى عقابا على خلع الإرهابيين من الحكم، مصر حوصرت فى شِعب (بكسر الشين) ضيق، وجرى تجفيف الموارد، وحجب القروض والمساعدات، ولولا لطف الله بعباده، ونفرة أبناء مصر فى الخارج بمدد من التحويلات، لكان للقصة وجه آخر. الحمد لله؛ (التحويلات عادت سيرتها الأولى وزادت بنسبة تفوق الـ 100٪). تراجع الدين الخارجى بشرى طيبة، ومؤشر اقتصادى جيد، ودليلنا ليس أمنيات، ولكنها واقع تتحدث عنه تقارير وكالات التصنيف الائتمانى التى اتسمت بالإيجابية ونظرة مستقبلية مستقرة، تأسيسا على الإصلاحات الاقتصادية التى ترجمت فى توافر احتياطى قوى من النقد الأجنبى.
تقرير المركزى فى أغسطس الماضى يقول، للشهر السابع على التوالى خلال 2024، إن أرصدة الاحتياطى النقدى الأجنبى ارتفعت بمعدل نحو 11 مليار دولار ليصل إلى 46.489 مليار دولار بنهاية يوليو الماضى مقابل 35.250 مليار دولار بنهاية يناير 2024. الاحتياطى يمكن الحكومة من تغطية نحو (7.9 أشهر) من قيمة الواردات السلعية للدولة، بما يؤمن احتياجات البلاد لفترة تتجاوز بشكل كبير المعايير المتعارف عليها دوليًا كمستويات آمنة.
الحمد لله، ما تأخرنا يوما عن السداد ونحن فى أتون معركة الإصلاح الاقتصادى القاسية، يلزم التوقف عند الإيجابيات وتبينا لمعانى الأرقام أعلاه، فى هذا التوقيت، الذى يحدثنا فيه رئيس الوزراء عن خشيته من الاضطرار إلى ما يسمى «اقتصاد الحرب» ما أثار بلبلة فى الشارع.
ولا ينبئك مثل خبير، ولست خبيرا بالديون والقروض، أرجو ألا يمر بيان المركزى أعلاه، وهو منشور، مرور الكرام على السادة الخبراء، معلوم مثل هذه التقارير الإيجابية لا تلقى رواجا فى الفضاء الإلكترونى، يغضون الطرف عنها بعمدية لا تخفى على لبيب، واللبيب من الإشارة يفهم.
تخيل الأرقام، واعقلها، تخيل رقم الاحتياطى النقدى 46.489 مليار دولار بنهاية يوليو الماضى، يذكرك بقيمة الاحتياطى النقدى المصرى إبان (يناير 2011) سجل فحسب (36 مليار دولار)، وكان مصدر افتخار من الكبار، كبار المحللين وقتئذ.. ولا يزالون فخورين!.