بقلم- صموئيل العشاي:
بدأت العلاقات السعودية المصرية منذ عقود، وشهدت هذه العلاقة مراحل متعددة من التعاون والتفاهم في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. ويأتي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في صدارة الشخصيات التي تسعى لتطوير هذه العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تتصدر زيارته الأخيرة لمصر واجهة التعاون العربي لمواجهة التطرف والإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
تأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى مصر لتجسد هذه العلاقة الأخوية، حيث تمثل الزيارة فرصة لتعزيز التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى مناقشة قضايا اقتصادية وتنموية تهم البلدين. لكن خلف هذه الزيارة تقف قصص ملهمة عن محاربة التطرف، والتي كانت المملكة ومصر طرفين رئيسيين فيها، في ظل قيادة ولي العهد السعودي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
المحور الأول: أهمية زيارة ولي العهد لمصر
تعد مصر شريكاً استراتيجياً للسعودية في مختلف المجالات، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب. وتأتي زيارة محمد بن سلمان لمصر كجزء من تعزيز هذه العلاقة المتينة. فالزيارة ليست فقط دبلوماسية، بل تعكس روابط عميقة بين البلدين من حيث التاريخ، الثقافة، والأمن.
أعلن ولي العهد، في زيارته الأخيرة، عن أهمية مصر بالنسبة للسعودية، مؤكدًا أن التعاون المشترك بين البلدين يهدف إلى خلق مناخ من الاستقرار والتقدم في المنطقة. لم تكن هذه الزيارة حدثًا عابرًا، بل جسدت عمق الشراكة الأمنية والعسكرية بين القاهرة والرياض، التي تتعزز في كل زيارة، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة. وقد أكد الأمير محمد بن سلمان أن مصر تعتبر ركيزة أساسية في استقرار المنطقة، ودورها لا يقل أهمية عن دور السعودية في مواجهة الإرهاب والتطرف.
المحور الثاني: التعاون المصري السعودي في مواجهة الإرهاب
يُعتبر التعاون السعودي المصري في مجال مكافحة الإرهاب أحد الأركان الأساسية للعلاقات الثنائية بين البلدين. فمنذ ظهور التنظيمات المتطرفة في المنطقة مثل داعش، وخصوصًا بعد اندلاع ما يسمى بالربيع العربي، ازداد التعاون العسكري والأمني بين السعودية ومصر.
يتجلى هذا التعاون في مشاركة مصر ضمن التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الذي أعلن عنه ولي العهد في عام 2015. يهدف هذا التحالف إلى تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية لمواجهة التهديدات الإرهابية التي تهدد الأمن العالمي، لا سيما في الشرق الأوسط .
كما أن مصر كانت من أوائل الدول التي دعمت الجهود السعودية لتأسيس “مركز اعتدال” لمكافحة الفكر المتطرف، والذي أطلقه محمد بن سلمان في الرياض. يسعى هذا المركز إلى مكافحة التطرف الفكري والتعامل مع الروايات المتطرفة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية والشباب على وجه الخصوص. ويتم من خلاله استخدام التكنولوجيا والبيانات لرصد وتحليل الخطاب المتطرف عبر الإنترنت وتفكيكه .
المحور الثالث: الحرب على الإرهاب تحت قيادة محمد بن سلمان
لطالما كان لولي العهد رؤية واضحة وشاملة حول كيفية مواجهة الإرهاب، حيث أدرك أن المواجهة العسكرية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتضمن خطة شاملة تشمل محاربة الفكر المتطرف على المستوى الاجتماعي والديني. ولهذا السبب، أطلق محمد بن سلمان حزمة من الإصلاحات التي تستهدف تجديد الخطاب الديني وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال في المجتمع السعودي.
لعل من أبرز الإنجازات في هذا المجال هو إطلاق رؤية 2030، التي تستهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السعودية، وتقليص دور التيارات الدينية المتشددة التي كانت تُغذّي التطرف داخل المجتمع. تسعى هذه الرؤية إلى تعزيز الانفتاح الثقافي والديني داخل المملكة، وذلك عبر إطلاق مجموعة من المبادرات الثقافية والتعليمية التي تستهدف الشباب لتوعيتهم بمخاطر الفكر المتطرف .
على الصعيد الدولي، تبنّى محمد بن سلمان دورًا رياديًا في تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع مختلف الدول لمكافحة الإرهاب. وكانت المملكة من أوائل الدول التي قدمت دعمًا سخيًا لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في نيويورك، مما ساهم في تعزيز الجهود العالمية لمواجهة التهديدات الإرهابية .
المحور الرابع: التأثيرات الإقليمية والدولية لجهود محمد بن سلمان
لم تقتصر جهود ولي العهد في محاربة الإرهاب على المملكة وحدها، بل امتدت إلى دول المنطقة. فمنذ توليه منصب ولي العهد، عمل محمد بن سلمان على تعزيز التحالفات الإقليمية لمواجهة التهديدات الإرهابية. وكان من أبرز نتائج هذه الجهود هو التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، الذي يهدف إلى مكافحة الإرهاب وتأمين الاستقرار في البلاد .
علاوة على ذلك، أسهمت المملكة في تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لعدد من الدول في المنطقة التي تواجه تهديدات إرهابية، مثل العراق وسوريا، وذلك من خلال دعم العمليات العسكرية والاستخباراتية التي تستهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية مثل داعش.
المحور الخامس: حلم الكتابة عن الأمير المستنير
بعد تسليط الضوء على دور الأمير محمد بن سلمان في محاربة الإرهاب والتطرف، تظهر أمامي فكرة تأليف كتاب شامل حول مسيرته ورؤيته للإصلاح ومحاربة الإرهاب. يعد ولي العهد شخصية فريدة في تاريخ المملكة، حيث تمكّن في فترة قصيرة من إحداث تغييرات جذرية في السعودية والمساهمة في تعزيز الأمن الإقليمي.
الكتاب يمكن أن يسلط الضوء على إنجازاته الإصلاحية التي غيّرت وجه المملكة، ودوره في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. كما سيتناول الكتاب رؤية 2030 وكيفية استخدامها كأداة لمواجهة التطرف من خلال تطوير المجتمع السعودي وتحقيق التوازن بين التقدم الاقتصادي والاستقرار الأمني.
إن فكرة الكتاب ما زالت قيد التحضير، وربما لم يحن الوقت بعد لإطلاقها. ولكنني أدرك تمامًا أن هذه الشخصية تستحق أن تُدوّن سيرتها وإنجازاتها للأجيال القادمة.
خاتمة
تظل زيارة ولي العهد محمد بن سلمان لمصر رمزًا للعلاقات القوية بين البلدين، التي تمتد إلى ما هو أبعد من التعاون السياسي والعسكري. فهذه العلاقة تحمل في طياتها جهودًا مشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة. ومع استمرار هذا التعاون الوثيق، يظهر جليًا أن رؤية ولي العهد للأمن والاستقرار تتجاوز الحدود الجغرافية، لتصبح مثالًا يحتذى به في مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجه العالم العربي والعالم ككل.
وفي النهاية، تبقى فكرة الكتاب عن الأمير محمد بن سلمان مشروعًا طموحًا أتمنى أن يرى النور قريبًا، ليس فقط لتوثيق مسيرة ولي العهد، بل أيضًا لتسليط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه في صناعة مستقبل أفضل للسعودية والمنطقة.