مازالت المدينة الإنجليزية لاستخراج المنجنيز على قمة جبل «أم بجمة» بجنوب سيناء، الكنز المفقود فى السياحة والتعدين، فلم تستغل سياحيًا وتركت كمدينة أطلال وأشباح رغم أنها كانت تعج بالمهندسين الإنجليز فى بداية القرن الماضى، وبها مرافق كانت غاية فى التقدم فى ذلك الوقت، من بينها خطوط تلفريك لنقل المنجنيز من المغارات إلى محطة السكة الحديد التى تصل حتى مصنع المنجنيز فى مدينة أبو زنيمة.
المدينة تحوى منازل للمهندسين الإنجليز والعمال، وبها مدرسة ومخبز ومستشفى وصيدلية ومسرح قيل إنه شهد حفلًا للسيدة أم كلثوم، سيدة الغناء العربى.
رحلة الصعود لجبل «أم بجمة» مغامرة، حيث تسير سيارات الدفع الرباعى فى مدق جبلى مرتفع على حافة الجبل، ويوجد فى مدخل «أم بجمة» بوابة حديدية ويحمل مفتاحها بدو سرابيط الخادم يفتحون لأفواج السياح القادمين لمشاهدة «أم بجمة».
يقول يوسف بركات، منظم رحلات: كان يمكن ترميم هذه المدينة الفريدة وتنظيم رحلات للسياح فيها، وخاصة الإنجليز الذين صمموا تلك المدينة، بعدما صارت أطلالًا ومدينة أشباح، مشيرًا إلى أن ذلك المكان كنز مفقود للسياحة، إذا تم ترميمه، ويمكن أن يستغل كمزار سياحى.
وطالب بركات باستغلال مزار «أم بجمة» سياحيًا وتنظيم الرحلات العلمية والسياحية له ومده بالخدمات. وأضاف إبراهيم عبيد، من بدو وادى الصهو، بمنطقة سرابيط الخادم، أن هذا المكان كان يأتى إليه العمال الصعايدة يعملون فى استخراج المنجنيز منذ عام ١٩٤٥، مشيرًا إلى أن الإنجليز استغلوا ثروات منطقة «أم بجمة» وقاموا بنهب تلك الثروات، مؤكدا أنه لابد من استغلال الثروات التعدينية فى المنطقة.
وقال محمد سليمان، دليل بدوى فى المنطقة: هذا المكان كان مدينة صناعية لاستخراج المنجنيز وكان يفد إليه العمال من الصعيد للعمل فى استخراج المنجنيز، مشيرا إلى أنها كانت مدينة إنجليزية فى قمة الجبل تضم مساكن وعنابر، ويستخرج المنجنيز وينقل عن طريق التلفريك إلى محطة سكة حديد ومنها لأبى زنيمة.
وأضاف ربيع بركات، دليل بدوى أن جبل «أم بجمة» يقع على ارتفاع ١١٠٠ متر من سطح البحر، مشيرا إلى أنه من أعلى الجبال فى سيناء وبه خيرات ومواد تعدينية كثيرة، من بينها المنجنيز والفيروز.
وأكد هشام محيى، نقيب المرشدين السياحيين، أن المدينة الإنجليزية بأم بجمة فرصة لجذب السياحة الإنجليزية الغنية لأنها مكان فريد أنشئ وقت الاحتلال الإنجليزى منذ ١٥٠ عامًا ولايزال أبناء وأحفاد من عملوا فى ذلك المكان من الإنجليز يعيشون حتى الآن، ويمكن استهدافهم سياحيًا، وطالب محيى بالترويج لذلك المكان الفريد.
أوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن أم بجمة منطقة تتبع أبو زنيمة بجنوب سيناء، وبها الموقع الذى عاش به المهندسون البريطانيون أثناء احتلال مصر، واستغلوه فى تعدين المنجنيز، وأنشأوا بها أول مصنع للحديد والصلب فى الشرق الأوسط، كما أنشأوا بها أول تلفريك فى إفريقيا لنقل المنجنيز من أم بجمة إلى الكيلو ٩ لصعوبة النقل بين الجبال، وأنشأوا سكة حديد لنقل المنجنيز من الكيلو ٩ إلى مصنع المنجنيز بأبو زنيمة. ويشير الدكتور ريحان إلى أن أم بجمة تضم حاليًا منازل المهندسين التى أقيمت على النمط الإنجليزى، وكل منزل به مدفأة، والمنازل مرقمة من ١ إلى ١٠، وهناك استراحة خاصة لمدير الموقع تشرف على خليج السويس، وعثر بهذه المنازل على مخطوطات تعود إلى عام ١٩٦٠، كما أنشأوا مستشفى، وشركة تعدين بريطانية فى أم بجمة وأبو زنيمة عام ١٩١٣، استمرت حتى عام ١٩٥٧، حين قامت شركة سيناء للمنجنيز بشرائها بكافة معداتها والتلفريك والمناجم والسكة الحديد حتى رصيف الشحن فى أبو زنيمة وهى الآن تتبع شركة سيناء للمنجنيز.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن خام المنجنيز فى أم بجمة يوجد فى شكل عدسات متوسط سمكها ٢م ضمن صخور الحجر الجيرى الدولوميت، الذى ينتمى إلى تكوينات العصر الكربونى الأوسط واحتياطى المنجنيز بها ٤٠ ألف طن، ويستخدم المنجنيز فى صناعة الصلب والبطاريات الجافة والصناعات الكيماوية،
ويطالب الدكتور ريحان شركة سيناء للمنجنيز بالتعاون مع محافظة جنوب سيناء ووزارة السياحة والآثار فى ترميم منشآت أم بجمة، والمنازل والتلفريك ومناجم المنجنيز ورصيف الشحن بأبو زنيمة وتطويرها وفتح مسار زيارة لها يتجول فى المنطقة فى سياحة السفارى، ووضعها على خارطة السياحة المحلية والعالمية، وربطها بمشروع التجلى الأعظم الذى يتضمن تعظيم المقومات السياحية فى سانت كاترين خاصة وسيناء عامة، ومن ضمن مخططاته تطوير الأودية بين سانت كاترين وسرابيط الخادم، وتقع أم بجمة فى نطاق هذا التطوير، مع عمل دعاية سياحية للمنطقة، خاصة فى الأسواق السياحية البريطانية وتعريف منظمى الرحلات السياحية هناك بأهمية هذه المنطقة، مما يزيد من عدد الوفود السياحية القادمة من إنجلترا بشكل كبير، وكلما ازداد التنشيط السياحى زاد عدد الإقبال عليها من كل الجنسيات، خاصة أن المنطقة تتميز بالسياحة الأثرية من زيارة المعبد المصرى القديم الوحيد فى سيناء، وهو معبد سرابيط الخادم وزيارة مواقع النقوش السينائية المكتشفة فى بدايات القرن الـ٢٠ على يد عالم الآثار البريطانى فلندرز بترى، بمنطقة سرابيط الخادم وما حولها، والمعروفة بـ«الأبجدية السينائية أو البروتوسينائية»
Proto- Sinatic Alphabet، كان لها الفضل فى اختراع الأبجدية الفينيقية.
وتعد «النقوش السينائية» مرحلة التحول من النظام الكتابى التصويرى إلى النظام الكتابى الخطى، وفتحت الطريق نحو ظهور الأبجديات.
وكذلك زيارة مواقع تعدين الفيروز الذى أطلق عليه فى مصر القديمة اسم «مفكات»، وهو معدن يتكون من فوسفات الألومنيوم والنحاس، فهو معدن فى التركيب الكيميائى، لكنه حجر فى الشكل.
وأرسل ملوك مصر القديمة البعثات التعدينية لمناطق تعدين الفيروز بسيناء، فقد أرسل الملك أمنمحات الثالث، من الأسرة الثانية عشرة من ١٨ إلى ٢٠ بعثة تعدينية إلى منطقة سرابيط الخادم فقط لتعدين الفيروز، وأرسل الملك أمنمحات الرابع ٤ بعثات لسرابيط الخادم.
إضافة إلى البعثات التعدينية فى عصر الدولة الحديثة فى زمن كل من أحمس وأمنحتب الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وتحتمس الرابع وسيتى الأول ورمسيس الأول ورمسيس الثانى، ويعتبر الملك رمسيس السادس هو آخر من عثر على اسمه فى معبد حتحور.
وتم تعدين الفيروز بسيناء من سرابيط الخادم والمغارة ووادى خريج.