غادرت الفرحة عائلتنا منذ زمن بعيد، حينما رحل الأحبة واحداً تلو الآخر، كل واحد منهم أخذ جزءًا من قلوبنا معه، ليترك خلفه فراغاً ووحشةً تُغلف بيوتنا وتحيطنا بحزن عميق. عشنا سنواتٍ نعد أيامها، ثقيلة كأنها لا تنقضي، ونعيد سرد ذكريات الفرح القليلة التي غابت. كل ذكرى كانت تعيد لنا الوجع الذي لم يبرأ بعد، كجرحٍ قديم يتجدد كلما هبت ريح الحنين.
لكن الآن، جاء وقت التعويض. جاء الوقت الذي طالما انتظرناه، ذلك الوقت الذي يحمل معه نسائم الفرح التي توقفت أبوابنا عن استقبالها لسنوات. إنها لحظة حصاد الصبر والأمل، ذلك الحصاد الذي تأخر طويلاً، ولكنه الآن جاء ليعيد لنا ما فقدناه، بل ويجلب معه المزيد. أفراحاً تتوالى لتجذب أفراحاً أخرى، تتسابق لتملأ زوايا حياتنا التي خيم عليها السكون. لقد بدأت عائلة عدلي تنتعش من جديد، كغصن يابس يعاود الإزهار بعد جفاف، ويمتد اسمها من جيل إلى جيل، يحمل معه الحب والمودة.
نحن الآن في بداية تكوين جيل جديد، جيل يمسك بأيدي بعضه البعض بمحبة، كالأغصان المتشابكة التي تقف جنباً إلى جنب، تتعاضد لتصمد أمام رياح الحياة. كما زرعت جدتي المحبة بين أعمامي، كانوا دائماً يضحون من أجل بعضهم البعض، كل واحدٍ منهم يعتبر نفسه سنداً لأخيه، وينظر إليه بعين الوفاء قبل أن يكون الدم هو ما يجمعهم. تلك المحبة التي غُرست فيهم، لم تتوقف عندهم فقط، بل انتقلت بسلاسة إلى بنات الأعمام، وكأنها ميراث غير مرئي يجري في عروقهم.
الرابط بيننا ليس مجرد دم وعِرق، بل هو روح واحدة، نحتفل معاً في لحظات الفرح، ونحزن معاً في لحظات الأسى. نثور من أجل بعضنا البعض عندما تشتد علينا الدنيا، نضحك سوياً، ونبكي سوياً. هذا هو جوهر عائلتنا، هذا هو ما يجعلنا أقوى. ولأننا كذلك، فإننا الآن نستعد لاستقبال الفرح بكل قلوبنا، استعداداً لبدايات جديدة، بدايات تحمل معها الأمل والحياة.
فلنزرع حباً أينما حللنا، ولنحافظ على عائلتنا دوماً في القلب، حيةً ونابضةً بالأمل، مهما تقلبت بنا الأيام.