في عالم الصحافة، يندر أن نجد شخصيات تمثل الفضيلة والنزاهة على أكمل وجه، خاصة في ظل بيئة تسيطر عليها الانقسامات والمصالح الشخصية. وسط هذا الواقع، يبرز اسم مجدي فكري، الذي عرف بين زملائه في نقابة الصحفيين بلقب “قديس النقابة” أو “ملاك الصحافة”. كان مجدي، الإنسان قبل الصحفي، مثالاً للنزاهة والشرف، يجمع بين المهنية العالية والخُلق الرفيع.
مجدي فكري: الصحفي المقاوم
لم يكن مجدي فكري مجرد صحفي يمارس مهنته في صمت، بل كان محاربًا شجاعًا في معركة قاسية ضد التحديات التي تواجه الصحفيين. على مدار سنوات، قاوم “الشللية” في وسط صحفي لا يعرف غير الانتماء إلى الجماعات المتنفذة. كانت الشللية السمة السائدة التي تحدد مستقبل الصحفي في المؤسسات الإعلامية، إلا أن مجدي رفض هذا النمط جملةً وتفصيلًا، وأصرّ على أن الصحفي يجب أن يُقيّم بناءً على مهنيته وأخلاقه، وليس علاقاته أو انتماءاته.
هذا التحدي المستمر كان واحدًا من أبرز معارك مجدي فكري. لم يكن ليقبل أبدًا أن تكون “الشللية” هي المعيار الذي يتحدد به النجاح أو الفشل. اختار أن يكون مستقلًا، بعيدًا عن الأجندات الضيقة والمصالح الشخصية، وهو ما جعله محط إعجاب زملائه.
مقاومة أزمات العمل الصحفي غير المستقر
كانت الصحافة في مصر تمر بأزمات اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة، ما أثر بشكل مباشر على الصحفيين، خاصة في المؤسسات الإعلامية الخاصة. عدم انتظام العمل، العقود المؤقتة، وفصل الصحفيين دون سابق إنذار، كانت جميعها ممارسات جعلت العمل الصحفي في هذه المؤسسات محفوفًا بالمخاطر.
مجدي فكري كان في مقدمة الصحفيين الذين وقفوا في وجه هذه الظاهرة. كان يدافع عن زملائه، ويساندهم في أوقات المحن. لم يكن يرى أن الصحافة مهنة بلا أخلاق أو قيم، بل كان يعتبرها رسالة، وجعل من مهمته الدفاع عن حقوق الصحفيين، سواء كانوا يعملون في المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
إنسان عفيف النفس واللسان
عُرف عن مجدي فكري عفة لسانه وسلامة طويته. لم يكن يومًا ممن يسيئون للآخرين أو يشاركون في المهاترات اللفظية التي تشهدها أحيانًا بعض أوساط العمل الصحفي. لم يجرح أحدًا بكلمة، ولم تصدر منه ما يُزعج الناس، سواء من زملائه أو من الشخصيات التي تعامل معها خلال مسيرته المهنية.
هذه الأخلاق الرفيعة جعلته محبوبًا من الجميع، حتى من أولئك الذين قد يختلفون معه في الرأي. كان مُلهمًا لجيل من الصحفيين الذين تعلموا منه أن النجاح المهني لا يعني التنازل عن القيم الإنسانية. لم يكن مجرد صحفي يؤدي مهامه بل كان إنسانًا قبل كل شيء، يقدر قيمة الكلمة ويعلم أثرها.
الرحيل المفجع
غادرنا مجدي فكري بعد أن عانى من نزيف حاد في المخ، نُقل على إثره إلى العناية المركزة في مستشفى القصر العيني، حيث فارق الحياة. كان خبر رحيله صادمًا لكل من عرفه وعمل معه. لم يكن مجرد زميل في المهنة، بل كان شخصًا يمثل نقاء الصحافة وإنسانيتها في أصعب الأوقات.
الإرث الذي تركه وراءه
مجدي فكري لم يترك خلفه مجرد سجل صحفي مليء بالأخبار والتقارير، بل ترك إرثًا من القيم والمبادئ. كان نموذجًا للصحفي الإنسان الذي يدافع عن زملائه ويقف بجانبهم في محنهم. رحل مجدي فكري بجسده، لكن روحه الطيبة وأخلاقه ستبقى خالدة في قلوب كل من عرفه.
قد يكون الصحفي قدوة في مهنته، لكن أن يكون قدوة في إنسانيته، هذا هو ما حققه مجدي فكري. هو قديس نقابة الصحفيين الذي لم يكن مجرد صحفي، بل ملاكًا نزل بيننا ليرينا كيف يمكن للكلمة أن تكون سلاحًا نبيلًا في معركة الحياة.
رحم الله مجدي فكري، الذي ستظل ذكراه حيّة في قلوب من عرفوه، وحافزًا لكل من يطمح أن يكون صحفيًا بضمير إنساني قبل أن يكون مهنيًا.