أكد تقرير جديد للبنك الدولى عن التمويل والازدهار أن الاقتصادات الناشئة والنامية تواجه أزمات متشابكة متعددة، حيث إن هذا الوضع يوضح الأهمية الحاسمة للقطاع المالى ودوره فى تحسين المرونة، ودفع النمو الشامل، وتحقيق الرخاء، كما أن الاقتصادات الناشئة والنامية تستفيد كثيرًا عند تعزيز قطاعاتها المالية فى سعيها إلى دعم خلق فرص العمل، وجذب رأس المال الخاص، ومعالجة تغير المناخ، ومعالجة التحديات الإنمائية العاجلة الأخرى، فى بيئة عالمية مقيدة ماليًا.
وأوضح التقرير أنه فى حين أن مخاطر القطاع المالى فى الاقتصادات الناشئة والنامية الأكبر حجمًا والأعلى دخلاً للفرد معتدلة، فإن نصف البلدان ذات الدخل المنخفض تواجه مخاطر كبيرة على مدى الأشهر الـ١٢ المقبلة، وأن ما يقرب من ٧٠ فى المائة من البلدان التى تواجه مخاطر عالية فى القطاع المالى ليست مستعدة حاليًا بشكل كافٍ للتعامل مع الضغوط المالية.
ويحدد التقرير خطرًا آخر كبيرًا يواجه القطاعات المالية فى العديد من البلدان الناشئة والنامية، ألا وهو التعرض الكبير والمتزايد للديون السيادية، حيث ارتفع هذا التعرض إلى أعلى مستوياته فى العقد الماضى ليصبح الآن أعلى بنحو ثلاثة أمثال من نظيره فى الاقتصادات المتقدمة من حيث القيمة النسبية.
وأشار إلى أن التعرض الخطر للديون السيادية ينطبق بشكل خاص على البلدان التى أظهرت سياسات اقتصادية كلية أضعف على مدى السنوات الأخيرة، وأنه بالنسبة لـ٢٠٪ من البنوك فى البلدان المثقلة بالديون التى شملتها العينة فى هذا التقرير، فإن خسارة ٥٪ فقط من حيازاتها من الديون الحكومية من شأنها أن تجعلها تعانى من نقص رأس المال.
ويناقش التقرير الخيارات المتاحة للسلطات التنظيمية التى يمكن أن تعزز من تحمل البنوك للمخاطر بشكل أكثر حكمة، حتى لو لم تتمكن من حل مخاطر العلاقة السيادية (سندات الدولة) المصرفية المتزايدة بمفردها.
ينظر التقرير كذلك فى الكيفية التى يمكن بها للاقتصادات الناشئة والنامية أن تمكن المزيد من تمويل المناخ دون المساومة على الأهداف المهمة المتمثلة فى استقرار القطاع المالى وشموله للأشخاص المحرومين.
كما يتتبع التقرير بعض الاتجاهات المهمة فى تمويل المناخ، ويوضح أنه من إجمالى تمويل المناخ فى الاقتصادات الناشئة والنامية (باستثناء الصين)، يتم توجيه ١٦ فى المائة فقط إلى التكيف مع المناخ، وعلاوة على ذلك فإن معظم هذه النسبة الصغيرة تأتى من الميزانيات العامة أو التمويل الرسمى. زاد أن التمويل المتاح للبنوك محدود للغاية، فبالنسبة لنحو اثنين من كل ثلاثة بنوك فى الأسواق الناشئة والنامية، يشكل التمويل المناخى أقل من ٥٪ من محفظة القروض الخاصة بها.
أوضح التقرير أنه من بين ٥٠ من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، والتى تمثل ٩٣ فى المائة من إجمالى أصول البنوك فى اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية، تواجه ٧٠٪ من بلدان العينة مخاطر منخفضة إلى متوسطة فى القطاع المالى خلال الفترة الـ١٢ شهرًا القادمة.
وفى العديد من هذه البلدان، تتفاقم المخاطر المحلية بسبب المخاطر العالمية المرتبطة بأزمة السياسة النقدية وتوقعات النمو الاقتصادى فى الاقتصادات المتقدمة، بالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية.
ونجحت معظم البنوك فى اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية فى التغلب على صدمة الجائحة بشكل جيد ويبدو أنها سليمة نسبيًا ومرنة، ولكن جيوب الضعف موجودة.
وقال إن البلدان الإفريقية ذات الدخل ليست مستعدة حاليًا بشكل جيد للتعامل مع الضغوط المالية، موضحًا أن نقاط الضعف المهمة فى الأطر التنظيمية والإشرافية تعوق القدرة لبعض اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية عالية المخاطر لضمان سلامة القطاع المالى، وهو أمر ضرورى وغالبًا ما تكون مكونات أطر إدارة الأزمات وشبكات أمان القطاع المالى مفقودة أو غير كافية.
وينبغى لهذه البلدان الضعيفة أن تتخذ خطوات عاجلة لمعالجة الفجوات المؤسسية من أجل تحسين مرونة قطاعاتها المالية، وهى تحتاج سياسات حاسمة لتشغيل آليات تنسيق إدارة الأزمات المشتركة بين الوكالات، وحالات الطوارئ التشغيلية والمساعدة فى السيولة، وخلق أطر الحل القوية، والتأمين على الودائع ذات المصداقية.
بالإضافة إلى ذلك، من المهم تعزيز الاستقلال التشغيلى وصلاحيات سلطات القطاع المصرفى، وتوضيح أن مهمة الاستقرار المالى لها الأسبقية على القطاع المالى، وعلى الرغم من أن التقدم كان بطيئًا بالنسبة للعديد من أولويات تطوير القطاع المالى. وكانت هناك تحسينات فى الشمول المالى للأفراد والجهود لتحضير القطاع المالى، وحتى الآن، تم تحقيق تقدم فى الأولويات الرئيسية مثل توسيع فرص الحصول على التمويل للشركات الصغيرة ودعم سوق العمل، لكن لاتزال العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية تعانى من صعوبات لتحقيق التوازن الصحيح بين نفوذ الدولة فى القطاع المالى وتعزيز المنافسة القائمة على السوق. وينبغى لصانعى السياسات أن يستمروا فى التبنى الآمن للخدمات المالية الرقمية التى تدعم المنافسة والابتكار والشمول المالى لكل من الأفراد والشركات الصغيرة.
وكشف التقرير أنه بين عامى ٢٠١٢ و٢٠٢٣، ارتفع الدين الحكومى فى اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بأكثر من ٣٥٪ مع زيادة اقتراض الحكومات جزئيًا للتعامل مع جائحة «كوفيد- ١٩»، وارتفع التعريض أكثر من ذلك بكثير ٥٠٪ فى البلدان المثقلة بالديون.
ويضيف: «كانت أزمات الديون المصرفية والحكومية المشتركة مكلفة للغاية عبر التاريخ، حيث طالب بمعايير تنظيمية مصممة لالتقاط المخاطر التى تفشل البنوك فى أخذها بعين الاعتبار، خاصة بالنسبة للمخاطر التى تترتب على التخلف عن سداد الديون الحكومية (بما فى ذلك إعادة الهيكلة)، وهى كبيرة فى بعض اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية». ذكر أن حدوث تراكم كبير للديون الحكومية يجعل للبنوك أيضًا تحديًا من الإقراض للقطاع الخاص ويعوق النمو الاقتصادى مع مراعاة أن السلطات المصرفية لا تستطيع حل المشكلة السيادية وحدها، وأنه أولًا وقبل كل شىء يجب الحفاظ على السياسات المالية وغيرها من السياسات السليمة.
ويتطلب الأمر القدرة على تحمل الدين العام واستقرار الاقتصاد الكلى، ويمكن للسلطات أن تقدم متطلبات إفصاح دقيقة فيما يتعلق بتعرضات البنوك للحكومة من أجل تعزيز انضباط السوق وللتخفيف من إفراط تراكم أرصدة الديون الحكومية فى البنوك التى تفتقر إلى احتياطيات كافية من رأس المال.
ويمكن للسلطات أن تشجع المزيد من البنوك على بناء الاحتياطيات القوية قبل وقوع الأزمات المحتملة بفترة طويلة، وتنفيذ شبكات أمان مالية فعالة أطر إدارة الأزمات، وإجراء اختبارات التحمل المنتظمة للبنوك أيضًا.
وقال إنه إذا كان للاقتصادات الناشئة والنامية أن تعالج بنجاح تغير المناخ وتأثيراته العديدة، فسوف تحتاج إلى دعم سياسى وتمويل أوسع من خارج القطاع المصرفى، بالإضافة إلى تعريف «الأخضر» بشكل أكثر وضوحًا.