التاريخ لا يكتبه النشطاء، التاريخ يكتبه المنتصرون، يكتبه من خاضوا غمار الحرب، واكتووا بنارها، وتحملوها صامدين، وفازوا بنصر أو شهادة.
الموقف السياسى الذى يلوّن الأحكام التى تصدر بحق قادة أكتوبر العظام يحمل فى طياته خللا تاريخيا لا تتحمله الأجيال، فارق بين الأحكام السياسية، وفيها قولان، والأحكام التاريخية، ولها معيار أخلاقى، لها ضوابطها التأريخية، ولا يجوز الخلط بين ما هو سياسى متغير وبين ما هو عسكرى ثابت فى يوميات الحرب.
أغبطنا الاحتفاء الرئاسى الذى حظى به هذا العام بطل الحرب الشهيد الرئيس «محمد أنور السادات»، ما يوصف بـ «رد الاعتبار».. صحيح الحسنة (الحفاوة) تعم قادة أكتوبر جميعا، ولكن بعض من الحفاوة مستوجب لأسماء بعينها.. ولأسباب.
أخص بالذكر طيب الذكر الرئيس «محمد حسنى مبارك»- يرحمه الله- بطل «الضربة الجوية» التى فتحت الطريق إلى النصر.. واحتفى به وقتئذ الرئيس السادات فى خطاب شهير يحتفظ به «يوتيوب».
تضحيات القادة العظماء لا سبيل لإنكارها، وإنكار بعض بطولات أكتوبر لغرض فى نفس يعقوب خطيئة لا تماثلها إلا خطيئة اختصار النصر فى «الضربة الجوية»، وهذا حدث فى زمن مبارك الله يرحمه.
لن نخمش الوجوه كما فعل الإخوان المجرمون عندما استقدموا قتلة السادات ليجلسوهم فى مقاعد أبطال أكتوبر، اغتيالا لذكرى الشهيد البطل السادات، واحتفلوا بنصره وهم له كارهون.
ولا نعفّر التراب فى وجوه من كرهوا السادات حبا فى ناصر، ولا نكيد أبدا لمن رفضوا مبارك وخرجوا لإسقاطه، مقصدنا إخراج نصر أكتوبر من الحسبات السياسية الضيقة.
الحساب السياسى هو ما يحرف زاوية الرؤية للنصر الكبير، يأكل من جلال النصر، ويورثنا عجزًا عن إدراك عظمة هذا النصر فى سجل الفخار المصرى والعربى.
الفصل واجب، خشية أن يتأثر جلال النصر بنجس السياسة، قيل عسكريا فى «الضربة الجوية» ما يضعها فى مصاف المعارك الجوية العظيمة، وتبعتها معارك جوية ضارية مظفرة اختيرت منها «معركة المنصورة» لتكون عيدا للطيران المصرى.
تفوق سلاح الطيران المصرى فى معارك الجو خلال حرب أكتوبر محل إجلال الأكاديميات والمعاهد العسكرية، ولا يمارى فى دورها الرئيس فى النصر إلا جاهل أو حاقد أو مدفوع لتشويه النصر العظيم تسللا من كراهية لشخص مبارك.
ما يجرى الآن من انتقاص مذموم للضربة الجوية لا يستهدف مبارك، ولكن يستهدف نصر أكتوبر بتمامه، عندما تقوض الضربة الجوية وتشكك فى عظمتها، تسحب من عظمة أكتوبر، التى كانت مسرحًا فريدًا لتكامل الأسلحة فى نسق فريد قل أن يجود مسرح عمليات بهذا الأداء العسكرى المنضبط توقيتًا وهجومًا ودفاعًا وتحقيقًا للأهداف المرتجاة التى مهدت الطريق لمفاوضات شاقة لاستعادة الأرض السليبة بتمامها.
بطولات حرب أكتوبر لا تخضع لـ«مقص دار» السياسة، ولا يكتبها «ترزية السياسة» على أمزجتهم الحادة، حرب أكتوبر تعلو وتسمو على كل الصغائر السياسية، ارحموا وترحموا على عضم التربة، ترحموا على الشهداء، وقولوا قولا كريما فى نصر عظيم.
أعجب ممن يهوّن من شأن «الضربة الجوية»، لأنها مسجلة باسم القائد اللواء «محمد حسنى مبارك»، كما يمسخ معركة «المزرعة الصينية» لأنها من عظمة المقاتل المقدم «محمد حسين طنطاوى»، يرحمنا ويرحمهما الله من فعل النشطاء.