في تصريحات حديثة أثارت جدلاً واسعاً، وصف رئيس الأركان الإسرائيلي السابق دان حالوتس التهديدات التي تواجه إسرائيل بأنها لا تأتي من الخارج بقدر ما تأتي من الداخل. ففي مقابلة صريحة، أوضح حالوتس أن إيران وحزب الله، رغم ما يشكله كل منهما من تحديات أمنية وعسكرية لإسرائيل، لا يشكلان “تهديداً وجودياً” على الدولة الإسرائيلية. على النقيض من ذلك، وصف شخصيات سياسية بارزة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، المنتمين إلى التيار اليميني المتطرف، بأنهما يشكلان التهديد الوجودي الحقيقي على مستقبل الدولة. تصريحات حالوتس سلطت الضوء على المخاوف العميقة التي يعيشها بعض قادة الجيش والمفكرين الإسرائيليين حيال الانقسامات الداخلية المتفاقمة في إسرائيل، خاصة في ظل الأزمات السياسية المتكررة وتصاعد التطرف.
حالوتس، الذي قاد الجيش الإسرائيلي في فترة حساسة وشهد العديد من الصراعات العسكرية مع جهات خارجية، يفهم تماماً طبيعة التهديدات العسكرية الخارجية التي قد تواجهها إسرائيل. ومع ذلك، فإن تحليله يذهب إلى ما هو أعمق، حيث يشير إلى أن التهديد الخارجي مهما كان كبيراً يمكن مواجهته عسكرياً، لكن التهديد الداخلي المتمثل في الصراعات السياسية والانقسامات الاجتماعية قد يكون أكثر تدميراً على المدى الطويل. إن استخدامه لمصطلح “تهديد وجودي” لوصف سموتريتش وبن غفير، وهما سياسيان يدعوان إلى سياسات قومية ودينية متطرفة، يعكس خوفه من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تقويض الأسس التي قامت عليها إسرائيل كدولة.
قد تبدو هذه التصريحات مفاجئة للبعض، خاصة في ظل التهديدات التي تواجهها إسرائيل من إيران وحزب الله، لكن حالوتس يؤكد أن الدولة الإسرائيلية، بفضل قدراتها العسكرية المتفوقة وتحالفاتها الدولية، قادرة على مواجهة تلك التهديدات بشكل فعال. على العكس، فإن الخطر الداخلي ينبع من تنامي الانقسامات الأيديولوجية، التي يمكن أن تؤدي إلى تآكل الوحدة الاجتماعية وتفكك العقد الاجتماعي الذي يربط مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي. وبهذا السياق، يرى حالوتس أن السياسات التي يتبناها اليمين المتطرف تسهم في زيادة هذه الانقسامات، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل الكيان الإسرائيلي من الداخل.
إن ما يزيد من أهمية هذه التصريحات هو السياق الذي تأتي فيه. فإسرائيل تمر حالياً بفترة من التوترات الداخلية غير المسبوقة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي. الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات الحكومة، التي يقودها اليمين المتطرف، تزداد اتساعاً، والعنف بين المكونات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي بات يتصاعد. هذا كله يأتي في ظل تحديات أمنية خارجية مستمرة، لكن حالوتس وغيره من الشخصيات العسكرية السابقة يرون أن الخطر الأكبر هو في فقدان التماسك الداخلي.
حالوتس لا يشير فقط إلى تهديد آني، بل إلى تهديد طويل الأمد قد يعيد تشكيل إسرائيل بشكل جذري. ففي رأيه، مهما كانت نتيجة الحرب الحالية، فإن التهديد الداخلي قد بدأ فعلاً في تفكيك أسس الدولة. هناك شعور متزايد بأن إسرائيل تواجه أزمة هوية، حيث يتزايد الاستقطاب بين العلمانيين والدينيين، وبين اليهود والعرب، وبين اليمين واليسار. ويبدو أن السياسات المتطرفة لسموتريتش وبن غفير تسهم في تعميق هذه الفجوة.
السؤال الذي يطرحه حالوتس وغيره من المحللين هو ما إذا كانت إسرائيل قادرة على البقاء كدولة ديمقراطية تعددية في ظل هذا الاستقطاب الداخلي. إن التهديد الوجودي الحقيقي، وفقاً لحالوتس، ليس في الصواريخ التي قد تأتي من خارج الحدود، بل في انهيار النسيج الاجتماعي من الداخل. قد تتمكن إسرائيل من الانتصار في معاركها الخارجية، لكن الخطر الأكبر يكمن في المعارك الداخلية التي تهدد بتدمير الأسس التي قامت عليها الدولة.
ختاماً، فإن تصريحات حالوتس تدق ناقوس الخطر حول مستقبل إسرائيل. فالدولة التي قامت على أسس الديمقراطية والتعددية تواجه اليوم تحديات وجودية من داخلها قد تكون أكثر خطورة من أي تهديد خارجي. إن لم يتم معالجة هذه الانقسامات الداخلية، فإن الكيان الإسرائيلي قد يتآكل من الداخل، بصرف النظر عن نتائج الحروب التي تخوضها على جبهاتها الخارجية.