تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى مسرح العمليات الممهدة للحرب العالمية الثالثة.. الحرب التي بدأ التحضير لها منذ سنوات مع الاحتلال الأمريكي للعراق ثم ما يسمى بـ«ثورات الربيع العربي» وصولًا لما تشهده المنطقة منذ «عملية طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023. وبعد اغتيال إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني السابق، وإسماعيل هنية رئيس حركة حماس، وعدد كبير من قادة حزب الله، اتسعت العمليات الحربية في المنطقة واشتعلت الجبهة اللبنانية بالتزامن مع تأكيد «صهيوني» على اغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله، في خطوة جعلت مراقبين يؤكدون أن القادم لن يكون فيه خطوط حمراء، وأن الحرب الشاملة بدأت.. وأصبح جميع قادة المنطقة يرون أن بلادهم في مرمى نيران جيش الاحتلال، لذا بدأ الجميع يفكرون في كيفية الرد والاستعداد للحرب في أي وقت.. وأصبحت جميع جيوش الشرق الأوسط على أهبة الاستعداد.. الجميع أصبحت أيديهم على الزناد.. الذي يمكن أن ينطلق في أي لحظة.. وهو ما يثير الرعب حول ما يمكن أن تشهده الأيام القادمة.
وهنا يبقى السؤال.. في ظل التصعيد العسكري في لبنان.. هل حقًا تم اغتيال حسن نصر الله؟!.. هل هناك من شاهد جثته؟!.. لماذا لم يخرج أنصاره الشيعة في مظاهرات بكاء على قائدهم؟ لماذا لم نشاهد جنازة مليونية بعد اغتيال حسن نصر الله الذي يصفونه بـ«سيد الشهداء»؟.. أم نحن أمام حلقة جديدة من برنامج حماية الشهود.. ما يهمنا هنا أن دور حسن نصر الله قد انتهى سواء تم اغتياله أو اختفى لحمايته بعد الضربة الجوية الإسرائيلية.
حسن نصر الله، وفق تقارير سياسية، رفض كل العروض لوقف إسناد قطاع غزة، وربط توقفه عن ضرب إسرائيل بانتهاء الحرب في غزة، وهذا جعل قادة الكيان يرون أن اغتياله ضرورة استراتيجية، وبات التخلص منه هدفًا صهيونيًا، كجزء من مخطط تغيير كل الذين وقفوا ضد المشروع الصهيوني خلال السنوات الأخيرة، وتؤكد بعض التقارير أن البعد العقائدي كان حاضرًا بقوة في عملية اغتيال نصر الله من أجل دحض نبوءة «دخوله منطقة الجليل منتصرًا». وكشفت تقارير – لم نتحقق منها – أن نصر الله طلب منذ شهور من حلفائه في إيران أن يدخل بقواته «الجليل» لكن طهران رفضت وطلبت منه إرجاء الأمر.. وهو ما دفع البعض ليؤكد: «نصر الله دفع ثمن أن قراره لم يعد من دماغه». لا تستغرب عزيزي القارئ.. ما يحدث في المنطقة حرب عقائدية بامتياز مهما تصدرت الأهداف الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
حرب بناء الهيكل
المؤكد أن الحرب الإسرائيلية الحالية في المنطقة تم التخطيط لها قبل سنوات، حيث أعلنت إسرائيل الحرب الدينية المقدسة ضد العرب.. هي حرب «بناء الهيكل» وإعلان «إسرائيل الكبرى» من المحيط إلى الخليج، التي تتجاوز حدود ما يعرف بـ«دولة الرب من النهر إلى النهر».. أو «حرب مجيء المسيح».. مسيح اليهود أو المخلص العالمي الذي سيحبه العالم ويتبعه نظرًا لقوته، وسيحكم اليهود العالم من خلاله بقبضة من حديد من خلال إمبراطورية عالمية يهودية – حسب الفكر الصهيوني. نتنياهو يظن أنه الموعود ببناء الهيكل المزعوم.
نحن أمام التحضير الواسع للحرب العالمية الجيوسياسية الكبرى التي يسيطر عليها البعد العقائدي.. ما بين النظام العالمي القديم أحادي القطب والذي تحارب من أجله الصهيونية، وتوحد جبهته ضد نظام جديد متعدد الأقطاب يحاول التشكل. حرب يمارسها الغرب على جبهتين في الشرق الأوسط وأوكرانيا، وجبهة قادمة في تايوان. وهي حرب اقتصاد وجيوسياسة، لكن تقودها الأيديولوجية والأفكار الدينية والعقائدية.
ما يجري في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 أكبر بكثير من إسرائيل.. فقد ثبت أن الكيان الصهيوني هش وممزق من الداخل.. ثبت أنه لولا تدخلات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول كان يمكن للمقاومة في فلسطين ولبنان القضاء عليه في شهور. حماس انتصرت في غزة رغم أكثر من 41 ألف شهيد و96 ألف مصاب، فقد فشلت تل أبيب في تحقيق أهدافها الاستراتيجية من الحرب، فشلت في القضاء على حماس وفشلت في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، بعد الرفض المصري القاطع لهذا المخطط. ثم جاءت الاغتيالات لكبار قادة المقاومة في فلسطين ولبنان كمحاولة لتحقيق أي انتصار مكذوب، وعندما فشلت الاغتيالات في تحقيق الغرض، هنا كان الحل بالهروب إلى الأمام والقفز في الظلام، فقرر نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل دخول حرب لبنان.
قادة الكيان جميعًا يرون أن حرب لبنان أسهل خطوة لتوسيع خريطة إسرائيل من أجل إقامة «دولة الرب من النهر إلى النهر»، والواقع أن حساباتهم غير دقيقة. حزب الله أشرس من حركة حماس.. يمتلك ترسانة أسلحة أكثر تطورًا.. يمتلك جغرافيا مختلفة وأوسع.. حلفاؤه في إيران وسوريا والعراق واليمن سيدافعون عنه بكل قوة.. لأن بقاءه يعني بقاءهم والقضاء عليه يعني القضاء عليهم.. وتشير تقارير العمليات الأولية للهجوم البري إلى أن حزب الله كبد إسرائيل خسائر فادحة.. وتؤكد التقارير أن الجيش الإسرائيلي واهم إذا تصور أن دخوله جنوب لبنان نزهة أو رحلة قصيرة يمكن أن يعود منها منتصرًا.
فقد شهدت الساعات الأولى لمحاولة الاقتحام البري ما يمكن أن نسميه «حرب الكمائن» بحسب خبراء عسكريين، حيث نجح مقاتلو حزب الله في تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر واسعة في جنوده ومعداته، وأغرقوه بصواريخ «بركان» المتخصصة في حرق التجمعات، وأطلقوا مئات الصواريخ الثقيلة خلف خطوط النيران. وبسبب القصف اللبناني الأفقي على كامل الحدود واستهداف خطوط العدو الأول والثاني والثالث حتى شمال إسرائيل، فشل الكيان الصهيوني في اختراق الحدود مع لبنان، رغم أن تل أبيب تخوض تلك الحرب بـ«الفرقة 36 جولاني، فرقة النخبة في قوات المشاة، وفرقة القوات الخاصة 98».
ويرى مراقبون أن الحرب في لبنان ستكون أكثر تدميرًا لقدرات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، خاصة أن حزب الله يحارب بالصواريخ الثقيلة المدمرة «بركان» و«فيلق»..