كتب – ايهاب رفعت:
تحل علينا اليوم ذكرى استشهاد الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات العامة والاجتماعية، الذي رحل عن عالمنا في السادس من أكتوبر عام 1981، في واحدة من أكثر الحوادث المأساوية التي شهدتها مصر في تلك الحقبة. كان الأنبا صموئيل حاضرًا مع الرئيس الراحل أنور السادات أثناء العرض العسكري السنوي، حينما اخترقت أصوات الطلقات الجو لتسجل لحظة من الألم والدماء، حيث سقط شهيدًا مع السادات على أيدي الإرهابيين.
الأنبا صموئيل، الذي وُلد في 8 ديسمبر 1920 باسم سعد عزيز، نشأ في أسرة مصرية متدينة بالقاهرة. منذ صغره، أظهر ميولًا دينية ومعرفية واضحة، إذ كان محبًا للعلم والبحث عن الحقيقة. تفوق في دراسته، ليتخرج في كلية الحقوق عام 1942، ولكنه لم يكتفِ بهذا الإنجاز، حيث دفعت به روحه المتعطشة للمعرفة الروحية إلى الالتحاق بالكلية الإكليريكية عام 1944، ليحصل على دبلوم منها ويبدأ حياته في التعليم الكنسي.
اتخذ الأنبا صموئيل خطوة حاسمة في حياته حين قرر تكريس نفسه بالكامل لله، فدخل دير الأنبا صموئيل المعترف وترهبن تحت اسم الراهب مكاري الصموئيلي. لم تكن الرهبنة بالنسبة له مجرد ابتعاد عن العالم، بل كانت وسيلة لعيش حياة الإيمان . في حياة رهبانية ملؤها التواضع والتفاني، وسرعان ما انتقل إلى دير السريان، حيث تغيّر اسمه إلى الراهب مكاري السرياني، وهو الاسم الذي حمله حتى صار رمزًا للخدمة والعطاء.
في عام 1962، وقع الاختيار عليه من قبل البابا كيرلس السادس ليصبح أسقفًا للخدمات العامة والاجتماعية، وهو المنصب الذي أحدث نقلة نوعية في مسار حياته وخدمته. في هذا المنصب، أطلق الأنبا صموئيل العديد من المبادرات التي هدفت إلى النهوض بالفئات الفقيرة والمحتاجة، حيث كان يرى أن الكنيسة ليست مجرد مكان للعبادة، بل هي أيضًا ذراع تمتد لمساعدة المجتمع.
كانت مشروعاته الاجتماعية متنوعة وشاملة، فقد أسس مراكز لتعليم الأطفال في المناطق النائية، كما أنشأ مدارس مجانية للفتيات وساهم في توفير الرعاية الطبية للفقراء. لم تتوقف خدماته عند حدود مصر، بل سعى لتقوية الروابط بين الكنيسة القبطية وأبنائها في الخارج، حتى أصبح رمزًا للوحدة والعطاء.
عندما رحل البابا كيرلس السادس عام 1971، كان الأنبا صموئيل واحدًا من المرشحين الثلاثة لتولي الكرسي البابوي، إلى جانب الأنبا شنودة والقمص تيموثاوس المقاري. ورغم اختيار الأنبا شنودة لهذا المنصب، إلا أن الأنبا صموئيل ظل محل تقدير واحترام داخل الكنيسة وخارجها، واستمر في خدمة المجتمع بتواضع وإخلاص.
أما يوم 6 أكتوبر 1981، فقد كتب نهاية مؤلمة لحياة الأنبا صموئيل، حيث كان جالسًا بجوار الرئيس السادات أثناء العرض العسكري عندما دوى صوت الرصاص، لينتهي مشهد العرض برحيل السادات واستشهاد الأنبا صموئيل بجانبه. كانت مصر كلها في حالة من الصدمة، إذ فقدت رمزًا دينيًا وقائدًا خدم المجتمع بكل تفانٍ وإخلاص.
رغم أن الأنبا صموئيل قد رحل جسديًا عن عالمنا، إلا أن إرثه الخدمي والروحي لا يزال حيًا. دفن جسده في البطريركية بالعباسية، بجوار رفات القديس أثناسيوس الرسولي، ليظل قبره مقصدًا للمحبين والمصلين الذين يأتون ليعبروا عن حبهم لهذا الرجل العظيم الذي قدم حياته في خدمة الله والناس.
إن استشهاد الأنبا صموئيل كان تتويجًا لحياة مليئة بالعطاء والتضحية. لقد ترك إرثًا من المحبة والخدمة، ليس فقط في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بل في المجتمع بأسره.