“لقد نفد رصيدك.”
تلك الجملة البسيطة التي أتتني في صبيحة 21 سبتمبر لم تكن مجرد رسالة هاتفية معتادة، بل كانت رسالة أعمق من ذلك بكثير. كانت رسالة من جسدي الذي انهار فجأة دون سابق إنذار، كأنه يقول لي: “توقف، حان وقت الراحة.” في تلك اللحظة الفارقة، التي بدت لي وكأنها نهاية، لولا بصيص من الوعي الذي مكنني من التواصل مع حاتم، كنت الآن بين طيّات الغياب. وفي لمح البصر، كان حاتم، كعادته، السند، الرفيق، البطل الذي لا يتأخر. لم يأت وحده، بل لحقت به سوسنة، تاركين وراءهما كل شيء، متوجهين إليّ، لا يحملان إلا المحبة والإخلاص والقلق على صحتي.
من قسم الطوارئ في المستشفى إلى العناية المركزة، كانت الرحلة قصيرة، ولكنها كانت تبدو لي وكأنها أبدية. بدأت المشاكل الصحية تتكشف واحدة تلو الأخرى: جلطة في الساق، قصور في الدورة الدموية بالمخ، انسداد في الشريان الأورطي للقلب. ما كل هذا؟ من أين جاءت هذه المعضلات التي كنت أجهل وجودها؟ وكأن جسدي كان يخبئ لي كل هذه الأوجاع في انتظار لحظة كهذه. لكن، كان لطف الله أكبر من كل هذه المصاعب، وكانت رحمته تطوف بي في لحظات اليأس، محاطة بدعواتكم ومحبتكم التي أعانتني على اجتياز هذه المحنة.
في العناية المركزة، قضيت ثلاثة أيام بين الحياة والموت، لكنني لم أكن وحدي أبدًا. لم تكن الأجهزة الطبية هي الوحيدة التي تسعى لاستقرار وضعي الصحي، بل كان هناك شيء آخر أقوى وأعمق: رصيدكم العاطفي الهائل، الحب، القلق، الدعاء الذي غمرني منكم، من عائلتي، من أصدقائي، من زملائي، ومن جيراني. كانت كلماتكم، اتصالاتكم، رسائلكم، زياراتكم، كل ذلك بمثابة الأكسجين الذي أتنفسه، النبض الذي يعيدني للحياة.
إن ما قدمتموه لي، من محبة ودعاء واهتمام، سيظل تاجًا على رأسي إلى الأبد، ودينًا في عنقي لكل واحد منكم باسمه وشخصه. كم كنت محظوظًا بأن أحيط بكل هذا الحب والاهتمام في وقت كنت أحتاج فيه إلى لمسة دافئة، كلمة مشجعة، دعاء صادق.
أشعر الآن أنني بحاجة إلى كتابة قائمة طويلة تحمل أسماء كل من أحبني ووقف بجانبي في هذه الأزمة. أعدكم أنني سأفعل ذلك عندما أستعيد عافيتي تمامًا، فأنا الآن في مرحلة التقاط الأنفاس، مرحلة استيعاب ما مررت به من تجربة قاسية، ولكنها أظهرت لي كم أنا غني بكم.
شكرًا:
- للصديق والأخ النقيب يحيى قلاش، الذي لم يتأخر لحظة عن دعمي ومساندتي.
- لنقيب الصحفيين خالد البلشي، الذي وقف بجانبي مثل الأخ.
- لمحمد الجارحي، الذي كان دائمًا البطل في معارك الصحفيين، سواء في ساحات النضال أو ساحات المرض والعلاج، بقلب مفتوح وسرعة استجابة تملأها التواضع.
- لزملائي أعضاء مجلس النقابة، الذين أثبتوا أن نقابة الصحفيين هي أكثر من مجرد مهنة، إنها عائلة.
- لكل من تواصل، اتصل، كتب، حضر، وتابع حالتي باهتمام وحب.
شكرًا خاصًا:
- للإبنة الغالية سوسنة وهند، زوجة ابني حاتم، التي لم تبخل بمحبتها وعطائها ودعمها لي ولأسرتي. كانت السند الذي لا ينكسر.
أما أنت، يا رفيق الدرب وحبيب القلب،
كم افتقدتك في وعكتي الصحية، نعم، شعرت بغيابك الجسدي، لكن روحك لم تفارقني. كنت معي، في كل لمسة، في كل ابتسامة، في كل دعوة من هؤلاء الذين أرسلتهم لي.
لقد أرسلت لي ملائكة من البشر، يمثلون جزءًا منك، يمثلون محبتك واهتمامك الذي لا ينفد. سوسنة وحاتم، كنز من المحبة والوفاء، هما امتداد لك، ذكرى حية لحبك الذي لن ينقطع. فأنت، يا صديقي، حاضر بخلودك، ونحن سنلتقي حتماً في يومٍ ما.
هذه التجربة، رغم قسوتها، جعلتني أدرك أن الحب الحقيقي لا ينفد أبدًا، وأن الأصدقاء الحقيقيين هم أعمدة حياتنا، الداعمين في الأوقات الصعبة، والمبهجين في الأوقات السعيدة.
أنتم يا أصدقائي وأعضاء نقابة الصحفيين أنكم كنزي الذي لا يفنى، وشحنة الحب التي تلقيتها منكم هي ما أعاد لي الحياة والابتسامة.
بكل الحب، خيرية.