تحليل يكتبه صموئيل العشاي:
إذا كنت مهتماً بالشأن الإيراني والخليجي، عليك أن تحفظ هذا الاسم جيداً: محمد علي الحسيني. فهو يمثل إحدى الشخصيات المثيرة للجدل التي تلعب أدواراً خلف الكواليس، وهو رجل يشغل اليوم مركز الاهتمام في سياسات النظام الإيراني الخفية. يستمر الحسيني في لعب أدوار استراتيجية، تتنقل بين الطمأنة والمناورة، في محاولات حثيثة لإنقاذ النظام الإيراني من الانهيار الوشيك، في وقت تتسارع فيه الأحداث السياسية والأمنية في المنطقة.
خلفية محمد علي الحسيني: من لبنان إلى السعودية
وُلد الحسيني في الأول من مايو 1974 بلبنان، وينتمي للطائفة الشيعية. ورغم أصوله اللبنانية، يحمل اليوم الجنسية السعودية، بعد أن مُنحت له بأمر ملكي في 15 نوفمبر 2021. هذا التحول من لبناني إلى سعودي لم يكن مجرد خطوة عادية، بل يعكس تقاطعات سياسية معقدة بين المملكة العربية السعودية وإيران. فهو يشغل حالياً منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، وهو مجلس يسعى من خلاله الحسيني لتقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة.
ما يجعل الحسيني شخصية بارزة ليس فقط منصبه الحالي، بل أيضاً مسيرته الفكرية. إذ يُنسب له تأليف أكثر من 70 كتاباً تناولت قضايا متنوعة تشمل الدين والسياسة والاعتدال الإسلامي. ومن بين أبرز أعماله: “الفكر والدين في رؤية 2030″، و”فقه الوحدة الإسلامية”، و”نحو إسلام معتدل”. هذه الكتب ليست مجرد عناوين تقليدية، بل تعكس طموحه للتأثير في الخطاب الإسلامي العالمي وتعزيز مبدأ الوحدة الإسلامية، في زمن تسوده النزاعات الطائفية.
الحسيني ورسالته إلى الخليج: بين الطمأنة والتحذير
الحسيني لا يخفي قربه من دول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية، وهذا ظهر جلياً بعد منحه الجنسية السعودية. فقد صرح بعد هذا الحدث قائلاً: “أعاهد الله تعالى أن أعمل بجد وصدق وإخلاص لخدمة بلادي العظيمة المملكة العربية السعودية، وأدين بالحب والوفاء والسمع والطاعة والولاء لقائد مسيرة الوطن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”.
لكن خلف هذا الالتزام العلني بالسعودية، يظهر دور خفي للحسيني كوسيط محتمل بين النظام الإيراني ودول الخليج. فبينما تحاول إيران تهدئة المخاوف الخليجية بشأن نفوذها المتزايد وبرنامجها النووي، يلعب الحسيني دوراً في توجيه رسائل طمأنة، خاصة للسعودية. ظهوره المتكرر على قناة العربية، الموجهة للجمهور الخليجي، يعزز هذه الفرضية. فإيران تدرك تماماً أن السعودية، إلى جانب دول خليجية أخرى، تلعب دوراً رئيسياً في دعم الجهود الإسرائيلية لتفكيك المشروع النووي الإيراني. ومن هنا، يأتي الحسيني كوجه يُعتمد عليه لتخفيف حدة التوترات وإعادة ضبط الحوار.
اتهامات بالتخابر مع إسرائيل: الحقيقة الضائعة
تاريخ محمد علي الحسيني ليس خالياً من الجدل. فقد تم اتهامه سابقاً من قبل الحكومة اللبنانية بالتخابر مع إسرائيل. ورغم هذه الاتهامات، تم تبرئته لعدم كفاية الأدلة. هذا الاتهام أثار الكثير من التساؤلات حول أدواره الخفية، خاصة بعد أن كشفت التقارير أنه سعى لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وإيران في فترة معينة. ومن هنا، يبرز الحسيني كرجل متعدد الأدوار والوجهات، يلعب على عدة أوتار سياسية من أجل ضمان استمرارية نظام الملالي في إيران.
توقعات مثيرة للجدل: نصر الله والأسد وغيرهم
محمد علي الحسيني ليس مجرد مفكر أو وسيط سياسي، بل أيضاً صاحب توقعات جريئة غالباً ما تثير الصدمة. ففي إحدى مقابلاته على قناة العربية، توقع اغتيال حسن نصر الله قبل وقوعه بيومين فقط، قائلاً له عبر الفيديو: “اكتب وصيتك الأخيرة، فقد باعتك إيران”. وما كان إلا أن تحقق كلامه لاحقاً. وبعد ذلك، خرج ليؤكد أن النظام الإيراني يضحي برموزه السياسية والميدانية من أجل البقاء. فإيران، بحسب قوله، باعت إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني الذي تحطمة طائرته بشكل غامض.
ونوه ايضاً لسماح ايران باغتيال إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس الذي استهدف بمقر إقامته في مبني سكني تابع للجيش الإيراني، وقصفت القنصلية الإيرانية ويداخلها ٤٠ ضابط من الحرس الثوري الإيراني في دمشق، وسمح باغتيال قادة ورموز حزب الله وأكثر من 4,000 مقاتل من حزب الله في صفقة سرية مع إسرائيل لضمان استمرارية نظامها.
وفي توقعاته الأخيرة، تحدث عن اغتيال مرتقب الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقة ماهر الأس، وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، فيما أشار إلى أن خامنئي لن يتم اغتياله لأنه “رجل عجوز” ، ويفهم من ذلك أن الدولة العميقة في إيران تعمل جاهدة لحمايته. هذا النوع من الرسائل التي تأتي في شكل تنبؤات هي لتهدئة الوضع ومنع الأمور من الانزلاق الي الهاوية.
الحسيني والنظام الإيراني: تحالف أم أداة؟
إصبح الحسيني يمثل شخصية محورية في السياسة الإقليمية. فسواء كان فعلاً “الابن النجيب” للاستخبارات الإيرانية، كما يقول البعض، أو مجرد وسيط يعمل على تقريب وجهات النظر، يظل الحذر مطلوباً في فهم أدواره الحقيقية. إذ لا يمكن إنكار أن دوره في تهدئة الأوضاع بين السنة والشيعة وتجنب التصادم المباشر، يجعله صوتاً إيرانياً احتياطياً يُستخدم في الأوقات الحرجة.
وفي ظل تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة، يجب متابعة أدوار الحسيني عن كثب. فالمرحلة المقبلة قد تحمل في طياتها مزيداً من المفاجآت، وأصعب اللحظات قد تكون لم تبدأ بعد.
في الختام: أي مستقبل ينتظر الحسيني؟
محمد علي الحسيني هو شخصية تجسد تداخلات القوى في الشرق الأوسط. فمن جهة، يمثل وجهاً مقرباً من السعودية ودول الخليج، ومن جهة أخرى، يعد قناة خلفية لإيران لإدارة أزماتها وتخفيف الضغوط الدولية. وبين كل ذلك، يبقى الحسيني لاعباً رئيسياً قد يتغير دوره مع مرور الوقت أو يزيد تأثيره في مرحلة ما بعد التغييرات الإقليمية الكبيرة.
لنترقب المستقبل ونرى أين سيقف هذا الرجل وسط كل هذه التعقيدات، خاصة في ظل تزايد المخاطر حول مستقبل النظام الإيراني، وتصاعد التوترات بين دول الخليج وإيران.