في تطور مفاجئ وصادم على الساحة السياسية اللبنانية والإقليمية، تعرض الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، للاغتيال في عملية دقيقة نُفذت على يد القوات الإسرائيلية بالتعاون مع أجهزة استخباراتية أخرى. هذه العملية، التي طال انتظارها من قبل إسرائيل، تثير العديد من التساؤلات حول الأطراف التي شاركت في تقديم المعلومات الحاسمة التي ساهمت في تنفيذها.
دور إيران: خيانة حليف أم لعبة مزدوجة؟
لطالما كانت العلاقة بين حزب الله وإيران استراتيجية وقوية، إذ لعبت طهران دورًا أساسيًا في تمويل وتسليح الحزب منذ نشأته. ومع ذلك، تصاعدت مؤخرًا تكهنات حول تغييرات في الأولويات الإيرانية في ظل الضغوط الدولية والاقتصادية. تشير بعض التقارير إلى أن إيران قد تكون باعت حليفها الاستراتيجي في صفقة غير معلنة مع إسرائيل أو أطراف غربية، بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو رفع بعض العقوبات. هذا التحول المفاجئ في موقف طهران يطرح أسئلة عن مدى التزام إيران بحلفائها في المنطقة، خاصة مع تضاؤل نفوذها الإقليمي في السنوات الأخيرة.
قد تكون طهران قد رأت في التخلص من نصر الله فرصة لتخفيف الضغوط عليها، أو ربما لم تعد تعتبره ورقة رابحة في سياستها الإقليمية المتغيرة. ورغم عدم وجود أدلة قاطعة على هذه الادعاءات، فإن توقيت العملية والدقة التي تمت بها تشير إلى احتمال وجود تواطؤ من داخل دائرة الحزب أو حتى من إيران نفسها.
القوى السنية اللبنانية: دور مركزي في المعلومات الاستخباراتية
إلى جانب دور إيران المشتبه فيه، تبرز تساؤلات حول تورط بعض القوى السنية اللبنانية في تقديم معلومات حاسمة لإسرائيل عن تحركات نصر الله. فمع تنامي النفوذ الشيعي في لبنان عبر حزب الله وارتباطه القوي بإيران، شعرت بعض القوى السنية بالتهديد على مكانتها السياسية والاجتماعية. قد يكون هذا الشعور بالخطر هو الدافع وراء تعاونها مع أطراف خارجية لتقويض نفوذ حزب الله، الذي يعتبرونه عائقًا أمام تحقيق توازن سياسي جديد في البلاد.
التعاون السني مع إسرائيل ليس أمرًا غير مسبوق؛ فقد ظهرت تقارير في السابق عن اتصالات غير مباشرة بين بعض القوى السنية اللبنانية وإسرائيل، خاصة في فترة التصعيد بين الحزب والدولة العبرية. ومع ازدياد تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان، قد تكون بعض هذه القوى قد رأت في التخلص من نصر الله فرصة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية الداخلية.
التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والولايات المتحدة: الضاحية الجنوبية تحت المراقبة
من المعروف أن إسرائيل والولايات المتحدة تعاونتا لسنوات في زرع أجهزة تنصت ومراقبة متطورة في الضاحية الجنوبية من بيروت، المعقل الرئيسي لحزب الله. هذا التعاون المكثف أتاح لإسرائيل الوصول إلى معلومات دقيقة حول تحركات القيادات العليا للحزب. ومعظم عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة حزب الله في السنوات الأخيرة تمت في الضاحية، مما يشير إلى اختراق أمني كبير في المنطقة.
تمركز نصر الله في الضاحية الجنوبية، الذي كان يُعتقد أنه محمي بإجراءات أمنية صارمة، لم يمنع إسرائيل من الوصول إليه. ومن اللافت أن العديد من العمليات استهدفت قيادات الحزب بالتزامن مع وجود مستشارين إيرانيين، مما يعزز فرضية وجود تعاون أو تسريب معلومات من داخل الصفوف.
الانعكاسات الإقليمية: صدمة في العالم العربي
اغتيال نصر الله سيترك أثرًا عميقًا على الساحة السياسية في لبنان والمنطقة ككل. كان يُنظر إليه كرمز للمقاومة ضد إسرائيل، لكن سيطرته المتزايدة على المشهد السياسي اللبناني وتحالفه الوثيق مع إيران أثار غضب العديد من القوى الداخلية والخارجية. بعض الأنظمة العربية، التي دعمت نصر الله في البداية باعتباره أداة لردع إسرائيل، باتت ترى فيه خطرًا على استقرارها الداخلي، خاصة بعد أن تحول إلى قوة سياسية وعسكرية تفوق قدرة العديد من الدول العربية على مواجهتها.
في النهاية، اغتيال حسن نصر الله لم يكن مجرد عملية تصفية شخصية، بل هو جزء من صراع أكبر على النفوذ في الشرق الأوسط.