لماذا نحتفل بميلاد طيب الذكر الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فى موعد معلوم كل عام (٢٣ سبتمبر ١٩٢٣)، ولماذا الأستاذ (استثناء) محل هذا التقدير من الجماعة الصحفية وبيئتها الحاضنة (نقابة الصحفيين)؟.
سؤال إجابته فى استدامة الاحتفال بمَن يستحق تمثالًا فى مدخل نقابة الصحفيين ليراه كل منتسب إلى هذه النقابة العظيمة، ويقف إجلالًا لمَن وضع الصحافة فى مكانة سامقة، وأثبت عظم تأثير الصحافة فى مجريات الأحداث، من رموز صاحبة الجلالة المقدرين.
عادة ما تحتفل «مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية» بذكرى ميلاد محمد حسنين هيكل، «الجورنالجى»، فى ميلاده فى «دار الأوبرا»، بإهداء جوائزه القيمة للنابغين صحفيًّا، واختارت أسرته دار نقابة الصحفيين محلًّا مختارًا لاحتفاليتها هذا العام، وهذا من حسن الاختيار.
الأستاذ هيكل فى نقابة الصحفيين، فى بيته ومطرحه، وروحه الشفافة ظللت الحفل، على قول السيدة «هدايت»، شريكة عمر الأستاذ: «حسيت محمد كان معانا.. وسعيد».
لا أزعم اقترابًا من الراحل العظيم، ولكن ع البعد تلقيت دروسى فى فصله التعليمى، فصل (الصحافة سلطة رابعة)، بالمعنى الحرفى للسلطة، صحافة رفيعة المقام، فصيحة اللسان، قادرة على قراءة الأحداث، وتحليل المعطيات، وصولًا إلى شراكة مستحقة مع أهل الحكم، تصوب خطاهم، وتصلح أخطاءهم، وتدلهم على الطريق القويم.
الأستاذ كان فى مكتبه كمنارة على الشاطئ ترشد البحارة فى عرض البحر، ومثل كاهن متبتل فى قلايته، يقرأ أسفاره، يقصده أهل الحكم، يسألونه، ويُجيب من كتب التاريخ، بما يعرفه من دهاليز «لعبة الحكم»، لا يرد سائلًا حتى ولو كان صحفيًّا فى المهد، حصيرته كانت واسعة تسع الجميع.
طيب الذكر، الجورنالجى الكبير، كان خبيرًا دوليًّا فى «لعبة الأمم» وقادرًا على قراءة المستقبل القريب/ البعيد، ومقالاته لها صدى دولى، تقرأ دفتر أحوال العرب فى مقالات هيكل، وتقف على التحديات من قراءة سطوره، ما كان يكتب ليتكسب، كان يكتب ليقول كلمته ويمضى إلى مكتبه يطالع أخبار الأولين.
الله يرحمه يسجل حضورًا رغم غياب طال، ويفتقده القراء افتقاد البدر فى الليلة الظلماء، فى مثل هذه (المدلهمة) التى يعيشها الشرق العربى، نفتقد (حكمة الأستاذ)، ونفاذ بصيرته، نتشوق لكلمته، لمقالاته فى تحليل الأوضاع الراهنة المربكة، كان سيرتب الأوراق، ويستخرج منها ما يفتح البصائر على المصائر والمآلات.
استثنائيًّا كان، ولا يزال، نفتقد عمق الأستاذ فى زمن الخفة والاستسهال، الكتابة عند الأستاذ هيكل فعل لا حكى، مسؤولية ثقيلة، وأمانة، لم يفرط فيها قط، وعندما كف عن الكتابة وأعلن (الانصراف)، كانت لحظة فارقة فى عمر الأستاذ، انصرف عنّا، لا أخمن أسبابًا ولا أتطوع بتفسير، أخشى أنه قرر التخارج من حالة سيولة ضربت الصحافة وقتئذ، وهو مَن يقدر الحرف حق قدره.
روح وريحان وجنة نعيم، الأستاذ ترك أثرًا، ومَن ينكر منجزه جاحد بالحقيقة، ومَن يهرف بما لا يعرف عن موقع الأستاذ وطنيًّا وصحفيًّا لا يقدر مكانة معلم كبير، جورنالجى صاحب مدرسة عظيمة، ورسالة عميقة، كل ميلاد والأستاذ حاضر فى نقابة الصحفيين رغم الغياب.