«ليس العاقل الذى يعرف الخير والشر، إنما العاقل الذى إذا رأى الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه». (منسوبة إلى «سفيان بن عيينه» وهو محدث من تابعى التابعين. ولد ونشأ بالكوفة وسكن مكة وتوفى بها). حالة الحوار المجتمعى (السياسى / القانونى) التى صاحبت مشروع قانون الإجراءات الجنائية، صحية تماما، وتجرى فى أجواء صحية، ويجب الحفاظ على جذوتها الحوارية متقدة، مناقشات حزبية، وصالونات قانونية، ودراسات نقابية، تقليب مواد القانون على أوجهها وصولا لما يسمى الحد الأدنى من الاتفاق، يصبح ( قانونا متفقا عليه) .. وهذا هو المراد مجتمعيا. أعلاه، ما يعنون باطمئنان «عودة الروح»، المجتمع السياسى الوطنى بأحزابه ونقاباته ورموزه الفكرية والسياسية استعاد حيوية مفقودة، مستوجب تفعليها، واستيعابها بأريحية سياسية، وسعة صدر برلمانية، بغية استعادة الروح التى كانت قد غابت عن المشهد السياسى الوطنى، لأسباب يطول شرحها.. لافت انخراط الشارع السياسى (بنخبته وعامته ) فى هذا الحوار المهم، بمثابة استدعاء جمعى للحوار، حالة حوار، تلاقحت فيها الأفكار، وتشابكت المراجع، ونشطت النقابات، وحضرت الأحزاب بعد غياب طال، ونفضت المراجع السياسية والقانونية ثيابها، وألقت خمولها وراء ظهورها، واستعادت ألقها، واستيقظت خلايا المجتمع التى ظن البعض أنها نامت فى كهفها سنين عددا.
تحريك المياه الراكدة بأى مجتمع ليس أمرا صعبا، أوحجرا ثقيلا، مثل قانون الإجراءات الجنائية حرك مياه البحيرة الساكنة، مخلفا دوائر من النقاش العام، ظلت تتسع حتى بلغت الشاطئ الآخر، شاطئ الأمان، المشروع فى أياد أمينة، مؤتمنة على قانون بمثابة «دستور مصغر»، وليس هناك مبالغة فى الوصف القانونى. حالة الحوار أو الحراك السياسى التى استيقظها مشروع القانون، مستوجب الإمساك بها برشادة دون تهور، وبعقلانية دون تفلت، والبناء عليها عاليا، والتأسيس عليها لرفد «الحوار الوطنى» بماء عذب يخفف الأحمال عن كاهل السلطة، يد واحدة لا تصفق.. الحكومة واجبها تقدم مشروع قانون، فيتولاه المشرعون الحكماء بالتدقيق دون غضاضة أو تحزب أو تمارس موقفا بغيضا.. المصلحة العامة تحكم، ومصلحة المواطن تحكم، وهذا قانون يعنى بحماية حقوق المواطن التى هى أسمى أمانينا.
طالماً الإرادة السياسية متجسدة، فلا تضيعوها فى مفترق طرق، مستوجب مكافأتها بالإيجابية الحوارية، وتعلية الصوت العقلانى فوق الأصوات «الحنجورية» التى كلفتنا خسائر محققة فى المحصول السياسى، واستنفدت «الوقود الحيوى» لهذا الوطن فى معارك عبثية لا طائل منها . لا نملك رفاهية خسارة مشروع قانون تاقت إليه المراجع القانونية منذ 75 عاما أو يزيد ، الخلاف عبث فى وقت نحن أمس الحاجة فيه للاتفاق، وليعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا فيه.
حالة النشاط السياسى التى صاحبت مشروع القانون، تؤذن بحالة حوارية لا تقصى أحدا، تسمع للجميع، تستصحب المختلفين، لا تضيق برفض، ولا ترفض معارضا، بل هناك مساحة للجميع، حتى وسائل الإعلام أثبتت ليبراليتها المستحبة فى استضافات مقدرة لناقدى القانون على قنوات الشركة «المتحدة» وغيرها من القنوات مثل «صدى البلد»، وفى هذا إشارة لا تخفى على لبيب.. واللبيب من الإشارة يفهم .
الثابت أن مسام المجتمعى تفتحت مجددا، والعرق السياسى انداح بغزارة، وشمر السياسيون والقانونيون عن سواعدهم، وأعملوا عقولهم وشحذوا قريحتهم لتصويب مسار قانون مهم، وفى المقابل كان استقبال «مجلس النواب» مقدرا للجهد القانونى ، وأريحية رئيس المجلس المستشار «حنفى الجبالى» وسعة صدره مؤهلة لحالة حوار مجتمعى تحت قبة البرلمان ستفضى لقانون (متفق عليه). جد المصلحة الوطنية العليا حكمت أطراف المعادلة، صحيح كل استمسك بموقفه عن حق اعتقده، المحامون مستمسكون بحقوق الدفاع وتحصينها، والقضاة مستمسكون بحقوق القضاة وتحصينها، على طرفى نقيض، ولكن العقل السياسى يحكم الحوار فى الأخير، ومنح كل الفرص لكل الآراء أن تعبر بحرية عن رؤيتها، وللإمام الشافعى قول عميق: «رأيى صواب يحتمل الخطأ.. ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».
وفى هذا الحوار المستحب سياسيا، يستوجب على من قالوا (نعم) إفساح الطريق دوما وفى المستقبل لاستصحاب من قالوا (لا) فى مسيرة قافلة الوطن، ويحمونها من الذئاب المتربصة، ويتيحونها بكل أريحية سياسية.. ومستوجب على من قالوا (لا) احترام أهلية ووطنية من قالوا (نعم) ويفقهون قولتهم ويستأنسون بأغلبيتهم، دفء الأقلية فى جبل الأغلبية على احترام قول (لا) بلا مزايدات وطنية تورث الكفر بـ(نعم).
حالة الحوار فى العنوان أعلاه، من موجبات العملية السياسية التى تبشر بها منصة «الحوار الوطنى» ويمتنها الرئيس بأريحية محمودة، ويرفدها بقرارات فورية كمقويات ضرورية لعلاج «الوهن السياسى» الذى تعانيه الحالة السياسية تحت وطأة أزمات حدودية وأخرى اقتصادية وجودية.