في ذكرى عيد ميلاد والدها الراحل، كتبت سوسنة الميرغني، ابنة الصحفي القدير رجائي الميرغني، رسالة مؤثرة على حسابها الشخصي على “فيس بوك”، استحضرت فيها ذكريات والدها الغائب بجسده والحاضر بروحه في حياتهم اليومية.
الرسالة بمثابة نافذة أطلّت منها مشاعر الحب والحنين والأسى التي تعيشها سوسنة وأمها خيرية شعلان منذ رحيل الميرغني.
بدأت سوسنة رسالتها بعبارة: “صباح الخير يا بابا.. صباح عيد ميلادك”، لتضعنا مباشرةً في لحظة دفء وحنين نابعة من قلب ابنة لم تتعود على غياب والدها، رغم مرور الزمن. ثم تتوجه إلى والدها الراحل، كأنها تحدثه مباشرة، وتخبره بحالة والدتها خيرية شعلان التي مرت بوعكة صحية.
حاولت سوسنة طمأنته بأن “جيش المحبة” الذي تركه خلفه يحاول جاهدًا التخفيف عنها ومواساتها، إلا أن غيابه يبقى الفراغ الأكبر الذي لا يمكن لأحد ملؤه.
وتتابع سوسنة حديثها في الرسالة قائلة: “مفيش زيك أكيد، لكن بنعمل على قد ما نقدر”، وهي كلمات تختزل فيها صعوبة محاكاة الحنان والحب الذي كان يقدمه والدها لوالدتها ولأسرته. طلبت سوسنة من والدها أن يظهر لهم في أحلامهم، ليطمئنهم على حاله ويمنحهم بعض الراحة والسكينة التي كانوا يجدونها في وجوده. في كلماتها، كان واضحًا أن غياب الميرغني ليس مجرد غياب جسدي، بل فراغ عاطفي وروحي عميق ترك أثرًا في كل تفصيل من تفاصيل حياتهم اليومية.
“وحشتنا قوي يا حبيبي”
بهذه العبارة البسيطة والمعبرة، استكملت سوسنة رسالتها التي تشع بمشاعر الفقد. تحدثت عن افتقادها لوالدها بلهجة تعكس حجم الحب الذي لا يزال يسكن قلبها، مؤكدة أنها لا تزال تشعر بوجوده في كل تفاصيل حياتهم، وفي كل شخص أثّر فيه خلال حياته. تطرقت أيضًا إلى علاقتها بوالدها، وكيف كان يساعدها في تعديل الأخطاء اللغوية والإملائية، فى التقرير الإخبارية التى كانت تعدها للتلفزيون المصري ، وتحاول مواكبته رغم الفجوة البلاغية التي شعرت بها بينها وبين والديها.
لكن، رغم كل محاولات التعايش مع الغياب، قالت سوسنة بصراحة: “فات اللي فات من السنين يا بابا.. صدقني لا اتعودنا ولا اعتدنا على الغياب.. نتعايش بس ناقصين.. ناقصين أهم حاجة.. هو أنت”. كانت هذه الكلمات اعترافًا صريحًا بأن الألم لا يزول، وأن الفقد يظل ناقصًا مهما مرت السنين.
ذكريات مؤلمة ولكن حاضرة بقوة
في جزء آخر من رسالتها، تطرقت سوسنة إلى حديث سابق جمعها بوالدها عندما كانت طفلة، حين حاول أن يشرح لها فكرة الموت بطريقة تناسب سنها. ذكرته حينما قال لها، بروح فكاهية ولكن عميقة، أن “الدنيا هتبقى زحمة” لو لم يمت أحد، وهنالك احتمال أن يعود البشر ليعيشوا مع الديناصورات. كانت هذه الفكرة البسيطة قد علقت في ذهنها طوال حياتها، وها هي اليوم بعد رحيل والدها، تقول بمرارة: “أنا كبرت وحقيقي ما عنديش مشكلة أني أعيش مع الديناصورات.. بس تكون أنت موجود.”
في هذا الاقتباس العميق، يبدو وكأن سوسنة لا تزال تتشبث بفكرة الطفولة، حيث كل شيء يمكن أن يكون محتملًا إذا كان والدها بجانبها. لا يقتصر الحنين هنا على استذكار الماضي، بل على محاولة إيجاد مساحة يملأها الراحل بحضوره حتى لو كان ذلك مجرد وهم أو ذكرى.
دعوة لعودة الفرح
اختتمت سوسنة بدعاء إلى والدها أن يعود الفرح إلى صباحات والدتها، تلك الصباحات التي كانت تبدأ بابتسامته وحضوره الدافئ. “صباحك حلو وترجع صباحات الست خيرية لينا وليك”، كانت هذه الجملة الأخيرة بمثابة دعوة لعودة الفرح والسكينة إلى حياتهم رغم الفقد.
تُظهر رسالة سوسنة الميرغني عمق المشاعر التي تربط بين أفراد هذه الأسرة، التي رغم فقدان عمودها الفقري، لا تزال تحاول التمسك بروحه وحبه. الرسالة لم تكن فقط كلمات تعبّر عن الحزن والحنين، بل كانت استحضارًا لأثر رجائي الميرغني العميق في حياة أحبائه ومن حوله.
كل عام وروح رجائي الميرغني تظل ترفرف بالحب فوق عائلته في يوم ميلاده، ٢٥ سبتمبر.