منذ سبع سنوات، بدأت أكتب وأتحدث عن ضرورة عودة الدكتور يوسف بطرس غالي، الشخصية الاقتصادية البارزة، الذي اعتبرته دائمًا الشخص الأمثل لإنقاذ الاقتصاد المصري من أزماته المتفاقمة. في كل لقاء مع المسؤولين، كنت أحاول جاهدًا إقناعهم بأن عودة غالي ليست مجرد خيار، بل هي الحل الأمثل لإعادة الاستقرار والتوازن إلى اقتصادنا الوطني. كانت هناك قوى عديدة، وخاصة الآلة الإعلامية الإخوانية، التي عارضت بشدة أي حديث عن عودته. لقد خشوا من قدرته على النجاح، وتحديدًا على إمكانية توليه منصب رئاسة الوزراء، حيث رأوا في قدراته تهديدًا لأجندتهم.
كانت الآلة الإعلامية الإخوانية تشن حملة شرسة لتشويه صورة غالي أمام الرأي العام، حيث نجحوا في تضليل الناس بشكل كبير، ورسموا صورة سلبية عنه بهدف إبعاده عن المشهد السياسي والاقتصادي في مصر. رغم ذلك، كنت أعلم يقينًا أن كل تلك المحاولات البائسة لن تغير من الحقيقة، وهي أن الدكتور يوسف بطرس غالي لم يتوقف أبدًا عن خدمة بلده. حتى وهو بعيد، كان يسهم بجهوده في إنقاذ اقتصادات دولية كبرى، مثل اليونان والبرازيل، عبر وضع خطط اقتصادية متكاملة مكنت تلك الدول من تجنب الإفلاس. ومع ذلك، ظلت هذه الإنجازات الكبيرة مغيبة عن الكثير من المصريين، بسبب الحملات المضللة التي استهدفت سمعته على مدار سنوات.
في تلك الفترة، قدمت أسماء أخرى قد تسهم في إنقاذ الاقتصاد المصري، مثل الدكتور محمد العريان، الخبير العالمي المعروف. ورغم أنه كان يبدو خيارًا جيدًا، إلا أنني شعرت بخيبة أمل كبيرة عندما رفض الفكرة تمامًا، مصرحًا بجملته الشهيرة: “أنا بقبض 2 مليون دولار شهريًا من الهيئات الدولية، هاخد كام من مصر؟”. هذه المقولة انتشرت سريعًا، حتى أشار إليها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه لاحقًا. ورغم ذلك، لم أفقد الأمل، وطرحت اسم الدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار السابق. لكن رغم كل هذه الجهود، كنت مقتنعًا أن الحل الأمثل والنهائي هو عودة يوسف بطرس غالي.
لقد خضت حوارات طويلة ومفصلة مع العديد من المسؤولين حول ضرورة الاستفادة من عقلية غالي المتميزة ورؤيته الاقتصادية المتقدمة. كنت أستشهد دائمًا بمؤسسات دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي استعانت بخبرته لإنقاذ دول من حافة الانهيار المالي. كانت إنجازاته في دول مثل اليونان والبرازيل دليلاً قاطعًا على كفاءته وقدرته على وضع استراتيجيات فعالة ومستدامة.
لكن، ومع كل الجهود التي بذلتها، استمرت الآلة الإعلامية الإخوانية في تشويه صورة الرجل أمام الرأي العام. كان هدفهم واضحًا: منع عودته بأي ثمن، لأنهم رأوا فيه العدو الطبيعي لفوضاهم الاقتصادية. في المقابل، استمر الاقتصاد المصري في التدهور على مدى ثلاث عشرة سنة، بسبب السياسات المالية الخاطئة التي انتهجها بعض وزراء المالية السابقين، مما أدى إلى زيادة الديون الخارجية وتفاقم الوضع الاقتصادي.
إن قرار عودة يوسف بطرس غالي اليوم، رغم تأخره، هو قرار صائب تمامًا. بعد سنوات من الفشل الاقتصادي والاعتماد على جيوب المواطنين بدلاً من السياسات الاقتصادية السليمة، كان من الضروري أن نعيد التفكير ونعتمد على من يمتلك الخبرة والكفاءة. للأسف، على مدار هذه السنوات، اتخذت وزارة المالية تحت قيادة الدكتور محمد معيط وفريقه قرارات غريبة وغير مدروسة، والتي لم تكن سوى تكرار لمحاولات فاشلة. ورغم أنهم كانوا يبررون هذه السياسات بالقول إن معيط كان تلميذًا لغالي، إلا أنني أؤكد أن معيط لم يكن سوى ظل باهت ولم يستوعب فكر أستاذه بشكل كامل.
لا أخفي سعادتي بعودة يوسف بطرس غالي، ولكنني أشعر ببعض الأسف لتأخر هذا القرار. لقد ضاعت علينا سنوات كثيرة كان يمكن خلالها تجنب الأزمات التي مررنا بها. ومع ذلك، فإن الأهم اليوم هو أن غالي عاد مكللاً بالبراءة من كل الاتهامات التي حاول الإخوان تلفيقها ضده في الماضي. القضاء المصري العادل والنزيه أثبت براءته من كل تلك التهم، وأعاد له مكانته الطبيعية.
أرحب اليوم بعودة الدكتور يوسف بطرس غالي بكل فخر واعتزاز. لقد كان من دواعي سروري أن أكون أحد الداعمين لعودته، وسعيد بأنني كنت على حق طوال هذه السنوات. كما أنني فخور بأنني ساهمت في إقناع الكثير من المسؤولين الشرفاء بضرورة إعادة هذا الرجل الوطني النزيه إلى موقعه. مع عودته، أتطلع إلى رؤية سياسات اقتصادية جديدة تعتمد على العقلانية والتفكير الابتكاري، بعيدة عن تلك السياسات التي فرضها علينا صندوق النقد الدولي، والتي أدت إلى تعويم الجنيه بشكل غير مدروس، ورفع أسعار الفائدة بشكل مبالغ فيه، مما تسبب في زيادة معدلات التضخم وأرهق جيوب المصريين.
عودة يوسف بطرس غالي هي خطوة مهمة نحو إعادة بناء الاقتصاد المصري على أسس قوية ومستدامة. وأثق تمامًا أن خبراته ستسهم في وضع سياسات اقتصادية متقدمة، تبعدنا عن تلك “الافتكاسات” التي فرضها صندوق النقد الدولي، والتي كانت سببًا في معاناة المصريين طوال السنوات الماضية.