موقفى واعتقد موقف الكثير من اصحاب الرؤي الداعمة للقضية الفلسطينية هو دعم جميع فصائل المقاومة الفلسطينية مما يعزز من قوة المشروع الوطني الفلسطيني. الذي اثبت التاريخ عبر سنوات القضية الفلسطينية ، أن التعدد والتنوع داخل الفصائل هو جزء لا يتجزأ من قوتها، وهذا ما مكن الشعب الفلسطيني من الحفاظ على هويته ومقاومته على مدى عقود. منظمة التحرير الفلسطينية كانت ولا تزال النموذج الأبرز الذي يعبر عن هذا التنوع في إطار الهوية الوطنية الشاملة. منذ تأسيسها، نجحت منظمة التحرير في استيعاب كافة أطياف المجتمع الفلسطيني، سواء من حيث التوجهات الدينية أو الفكرية أو الاجتماعية.
فالأمر لا يتعلق فقط بوجود المسلمين والمسيحيين جنبًا إلى جنب في صفوف المقاومة، بل أيضًا بتنوع الفكر السياسي داخل المنظمة، حيث شاركت فيها الحركات اليسارية والقومية والليبرالية والناصريين، ما جعل منها صوتًا وطنيًا شاملاً يتحدث باسم الشعب الفلسطيني بأسره. هذا التنوع في التوجهات كان دائمًا مصدر قوة لمنظمة التحرير، حيث تمكنت من خلاله من تمثيل كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، سواء في الداخل أو في الخارج، ما أعطاها الشرعية الدولية كالممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.
في المقابل، فإن حركة حماس، التي ظهرت كأحد أهم الفصائل الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من نجاحاتها في المقاومة العسكرية والتصدي للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن توجهها الديني الواضح جعلها أقل قدرة على احتضان كافة الأطياف الفلسطينية. الخطاب الديني الذي تعتمده حماس كان ولا يزال حجر عثرة أمام تحولها إلى حركة وطنية شاملة، حيث يقتصر خطابها على إطار ديني ضيق يحد من قدرتها على استيعاب الفئات غير الإسلامية داخل المجتمع الفلسطيني.
هذا الأمر يظهر بوضوح في المواقف السياسية التي تتخذها الحركة، حيث تركز غالبًا على الرؤية الدينية للصراع مع الاحتلال، مما يجعلها في كثير من الأحيان أقل توافقًا مع الفصائل الأخرى ذات التوجهات السياسية المتنوعة.
إن استطاعت حماس ان تتغلب على نفسها وتتحول إلى جماعة وطنية ستكون جزءًا من المشروع الوطني الفلسطيني الأكبر. فالتجربة التاريخية أثبتت أن الجماعات ذات التوجه الديني المحدود لن تستطيع بمفردها قيادة المشروع الوطني، بل يجب أن تتجاوز هذا التصنيف الديني لتفتح أبوابها أمام كافة أبناء الشعب الفلسطيني.
واعتقد ان هذا التحول ليس مجرد ضرورة تكتيكية لزيادة شعبيتها أو توسيع قاعدتها الجماهيرية، بل هو حاجة ملحة لتعزيز وحدة الصف الفلسطيني الذي يعاني منذ سنوات من الانقسامات الداخلية التي أضعفت الموقف الفلسطيني أمام الاحتلال وأمام المجتمع الدولي.
فالوحدة الوطنية هي الأساس الذي يجب أن يبنى عليه أي مشروع تحرري. إن الهوية الوطنية الشاملة التي تشمل الجميع بغض النظر عن ديانتهم أو خلفيتهم الفكرية هي التي ستعيد للقضية الفلسطينية زخمها وقوتها. وهذه الهوية الجامعة هي ما سيجعل العالم يتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية حق للشعب الفلسطيني بأسره، وليس فقط لفئة أو جماعة معينة. فحين تتوحد الفصائل الفلسطينية تحت مظلة وطنية واحدة، سيكون من الصعب على الاحتلال الإسرائيلي أو المجتمع الدولي تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
وفي هذا السياق، قدمت منظمة التحرير الفلسطينية نموذجًا ناجحًا في احتواء التنوع الفلسطيني على مدار العقود الماضية. فالمنظمة لم تكن مجرد إطار سياسي يجمع بين فصائل المقاومة، بل كانت منصة للفكر السياسي الفلسطيني المتنوع. من خلال تبنيها مواقف سياسية تعكس تطلعات وآمال جميع الفلسطينيين، تمكنت المنظمة من أن تكون صوتًا جامعًا للشعب الفلسطيني. وهذا النموذج يجب أن يكون المثال الذي تحتذي به الفصائل الأخرى، بما في ذلك حماس، إذا ما أرادت أن تكون جزءًا من المشروع الوطني الفلسطيني.
إن تجاوز الطابع الديني في خطاب حماس وفتح آفاق جديدة للتعاون مع الفصائل الأخرى، وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية، سيؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية وإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الطبيعية على الساحة الدولية. فالانقسامات الداخلية لم تضر فقط بالقضية الفلسطينية، بل أعطت أيضًا الاحتلال الإسرائيلي ذريعة للادعاء بأن الشعب الفلسطيني غير متحد ولا يستطيع تحقيق التوافق على حل سياسي. ولهذا، فإن الوحدة الوطنية ليست فقط مطلبًا داخليًا، بل هي حاجة ملحة لتعزيز الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي وأمام الاحتلال.
من المهم أن تستوعب جميع الفصائل الفلسطينية، أن التنوع ليس عيبًا أو ضعفًا، بل هو مصدر قوة. فالفصائل التي استطاعت عبر التاريخ الفلسطيني أن تكون جزءًا من المشروع الوطني هي تلك التي تبنت هوية وطنية شاملة تجاوزت التوجهات الضيقة، سواء كانت دينية أو فكرية. ومن هذا المنطلق، فإن حماس إذا ما اختارت التحول إلى حركة وطنية شاملة تسع كل الفلسطينيين، ستكون قد أسهمت بشكل جوهري في إعادة بناء الصف الوطني الفلسطيني وتوحيد الجهود نحو تحقيق الهدف الأسمى، وهو الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني.
هذا التحول سيؤدي أيضًا إلى تحسين صورة حماس داخليًا وخارجيًا. فالحركة التي تتبنى المشروع الوطني وتعمل من أجل تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني بأسره، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو الفكرية، ستكون أكثر قدرة على استقطاب الدعم الداخلي والخارجي. فالانفتاح على كافة الفئات الفلسطينية سيجعل حماس جزءًا من المشروع الوطني الشامل، مما يزيد من قوتها وقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.
إن وحدة الصف الفلسطيني ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي حاجة أساسية لمواجهة التحديات المتزايدة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية. فالاحتلال الإسرائيلي يستغل كل فرصة لتفتيت الصف الفلسطيني وإضعافه، مما يجعل الوحدة الوطنية السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات. فحين تتوحد الفصائل الفلسطينية تحت مظلة وطنية واحدة، سيكون من الصعب على الاحتلال أن يحقق أهدافه في تفتيت المجتمع الفلسطيني.
التنوع داخل الصف الفلسطيني هو أحد أعظم أدوات القوة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني. هذا التنوع يعكس عمق وتجذر القضية الفلسطينية في جميع مكونات الشعب الفلسطيني. وحين تتوحد كل الفصائل تحت مظلة وطنية واحدة، فإن القضية الفلسطينية ستستعيد زخمها وقوتها، وستصبح أكثر قدرة على تحقيق الهدف الأسمى، وهو الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني.
فالمطلوب اليوم ليس فقط دعم فصيل على حساب آخر، بل دعم المشروع الوطني الشامل الذي يسع كل الفلسطينيين. هذا المشروع هو الذي سيعيد للقضية الفلسطينية مكانتها الطبيعية على الساحة الدولية، وهو الذي سيحقق حلم الحرية والاستقلال الذي ناضل من أجله الشعب الفلسطيني على مدار عقود.