اليوم تمر علينا الذكرى السنوية لرحيل المشير محمد حسين طنطاوي، رجل الدولة والقائد العسكري الذي تولى مسؤولية قيادة مصر في فترة من أصعب مراحلها
المشير محمد حسين طنطاوي، الذي شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق. برحيله، فقدت مصر رمزًا وطنيًا وشخصية عسكرية يُشهد لها بالقوة، الحسم، والإنسانية.
حمل المشير طنطاوي على عاتقه مسؤولية ثقيلة خلال أحلك فترات تاريخ مصر المعاصر، وأدى رسالته كاملة بأمانة وصدق. كان قائدًا في زمن الأزمات، وحاميًا للوطن في أوقات الفتن، وسيظل اسمه محفورًا في وجدان كل مصري عاش تلك الحقبة الدقيقة.
المواقف الصارمة والوعود التي أنجزها
المشير طنطاوي كان معروفًا بدقته ووفائه بوعوده، حتى في أصعب الأوقات، فقد كان مصرًّا على حماية مصر والحفاظ على استقرارها. لم يكن قائداً عسكرياً وحسب، بل كان شخصية تحمل وعيًا سياسيًا واجتماعيًا عميقًا، جعلته يقود المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكمة خلال ثورة 25 يناير وما بعدها.
التزامه بعدم الترشح للرئاسة:
في خضم التحولات التي شهدتها مصر بعد الثورة، كان هناك جدل كبير حول إمكانية أن يتولى أحد أعضاء المجلس العسكري، بمن فيهم طنطاوي نفسه، رئاسة الجمهورية. ولكنه صرّح بوضوح، قائلًا: “لن أترشح، ولا أي من أعضاء المجلس.” وفي وقت كانت الشائعات تملأ الأجواء، كان طنطاوي ثابتًا في موقفه، متمسكًا بمبادئه العسكرية والوطنية، ما زاد من ثقة الشعب فيه.
تنظيم الانتخابات في موعدها:
بعد سقوط نظام مبارك، كان الناس يخشون من تأجيل الانتخابات أو تعطيلها. لكن المشير تعهد بإجراء انتخابات رئاسية في موعد أقصاه 30 يونيو 2012، وهو وعد التزم به حتى النهاية. ورغم التحديات والصعوبات التي كانت تواجه البلاد، كانت الانتخابات تُجرى وفقًا للجدول الزمني المعلن، مما عزز من مصداقية القوات المسلحة في تلك المرحلة الحرجة.
الانتخابات النزيهة:
من أبرز المواقف التي تحسب للمشير، تأكيده على أن الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة، وهي وعود نفذها بالفعل، حيث لم تُسجل أي تدخلات عسكرية أو حكومية للتأثير على نتائجها، ما أعطى لمصر فرصة نادرة لرؤية انتقال سلمي للسلطة في ظروف استثنائية.
رفض العنف ضد المتظاهرين:
وفي وقت كانت الدماء تهدد بأن تغرق الشوارع، تعهد طنطاوي بأن القوات المسلحة لن تطلق النار على المتظاهرين، بل ستسعى لحمايتهم والحفاظ على سلمية الاحتجاجات. كان يواجه المتطاولين بصمت القادة، فكما قال: “لن نرد على من يتطاول على الجيش.” هذا الصمت لم يكن ضعفًا، بل قوة نابعة من إيمانه بأن التاريخ سيشهد لهم في النهاية.
حماية الاقتصاد ودعم الدولة
إدراكه لحجم التحديات التي كانت تواجه مصر لم يتوقف عند الجانب الأمني أو السياسي فقط، بل شمل أيضًا الجانب الاقتصادي. كانت البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة، والمشير طنطاوي أدرك أن انهيار الاقتصاد سيُدخل مصر في نفق مظلم. لذلك، قرر دعم الموازنة العامة بمبلغ 10 مليارات دولار من ميزانية القوات المسلحة، في خطوة لم تكن مسبوقة. هذه المبادرة أنقذت البلاد من الانهيار المالي وساهمت في تحقيق نوع من الاستقرار المؤقت.
الصمود أمام المؤامرات والمخاطر
لقد كان طنطاوي رجلاً وطنيًا نزيهًا، لا يعرف المهادنة مع أعداء الوطن، وواجه المؤامرات التي كانت تحاك ضد مصر بصلابة وحكمة. كان واعيًا بكل المخاطر التي كانت تتهدد الوطن في تلك الفترة الحساسة، وكما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة: “المشير طنطاوي تحمل ما لا تطيقه الجبال”. لقد كان شخصًا يعرف قيمة المسؤولية، واستطاع أن يحمي مصر في وقت كانت فيه مهددة على أكثر من جبهة.
اللقاءات الشخصية ورفض الشهرة
اقتربت منه خلال فترة عمله وكنت شاهدًا على مواقفه التي كانت تنبع من قلب نقي لا يسعى وراء الأضواء أو الشهرة. عندما رغبت في توثيق تلك المرحلة في كتابي “لغز المشير”، قال لي بمنتهى البساطة: “لاأريد من الدنيا شيئا، ولن أكتب مذكراتي. أنا فقط أديت دوري بكل أمانة وإخلاص”. هذا كان لسان حاله دائمًا، رجل نذر حياته لخدمة مصر، ولم يسع إلى تخليد اسمه بأي شكل، بل ترك للتاريخ أن يحكم على أفعاله.
إرث المشير طنطاوي
برحيل المشير محمد حسين طنطاوي، فقدت مصر ليس مجرد قائد عسكري، بل أحد رجالها المخلصين الذين وقفوا في وجه الصعاب بحزم ووفاء. ستبقى ذكراه خالدة في قلوب المصريين الذين عرفوه كقائد حمل هم الوطن في أصعب الأوقات، وكان جنديًا في معركة مصر من أجل الاستقرار. رحم الله البطل، المقاتل، والإنسان، المشير محمد حسين طنطاوي، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأمة كأحد أبنائها الأوفياء.