فقدت الإذاعة المصرية واحدًا من أبرز رموزها وشخصياتها التاريخية التي ساهمت في صناعة الإرث الإذاعي الذي نشأ على أيدي عمالقة الإعلام.هو الإذاعي الكبير فايز فرح،
الذي يُعتبر فايز فرح أيقونة من أيقونات الصوت الذهبي للإذاعة المصرية، حيث ترك بصمة لا تُنسى عبر مشواره المهني الطويل الذي امتد لعقود، استطاع خلالها أن يجمع بين المهنية الرفيعة والأسلوب الشعبي البسيط الذي جعل منه صوتًا مألوفًا لدى المصريين بمختلف أطيافهم.
بداياته ومسيرته الإعلامية
بدأ فايز فرح مشواره الإعلامي في فترة الستينيات، تلك الحقبة الذهبية للإذاعة المصرية، حيث كانت الوسيلة الإعلامية الرئيسية والمحببة لقلوب المصريين. التحق بالإذاعة المصرية بعد تخرجه من كلية الآداب جامعة القاهرة، وبدأ في تقديم برامج متنوعة. تمكن فرح من تكوين قاعدة جماهيرية واسعة من خلال برامجه التي تميزت ببساطتها، وروحها المصرية الأصيلة التي تقترب من الجمهور وتعبر عن همومه وآماله.
تميز الإذاعي الراحل بتنوع برامجه، حيث قدم العديد من البرامج التي تناولت موضوعات اجتماعية وثقافية ورياضية، ولم يقتصر عمله على تقديم البرامج، بل كانت له إسهامات بارزة في تطوير العمل الإذاعي، وقدم برامج مهمة مثل “يوميات في قلب القاهرة” الذي كان يعرض يوميات المواطن المصري البسيط، ويبرز تجاربه ومعاناته بشكل إنساني عميق.
صوت مصري أصيل
كان لصوت فايز فرح نغمة خاصة تعكس أصالة وجوهر مصر. بفضل قدرته الفريدة على التحدث بطريقة بسيطة وبأسلوب غير متكلف، أصبح صوتًا مألوفًا في المنازل المصرية. كان يحكي القصص ويروي الأحداث بلغة مصرية خالصة تمزج بين الفصحى والعامية، ما ساعده على التواصل مع شريحة واسعة من الجمهور. حافظ على تلك الروح الحية التي جعلت من برامجه جزءًا من ذاكرة المصريين.
مساهماته في تطوير الإذاعة المصرية
عمل فايز فرح على إثراء محتوى الإذاعة المصرية، حيث ساهم في إدخال تنويعات جديدة على البرامج الإذاعية، سواء من حيث الشكل أو المحتوى. كانت له رؤية خاصة في كيفية تقديم الأخبار والبرامج الثقافية والترفيهية، كما كان له دور بارز في تدريب جيل من الإذاعيين الشبان الذين تأثروا بخبرته ونهجه.
لم يكن فايز فرح مجرد إذاعي تقليدي، بل كان رائدًا في تقديم البرامج التي تعكس قضايا المجتمع وتعالجها بأسلوب هادئ وواقعي بعيدًا عن الإثارة. كما كان له موقف واضح من ضرورة أن تكون الإذاعة المصرية منبرًا للإعلام المسؤول والموجه لخدمة المجتمع، بعيدًا عن الاستغلال التجاري أو الإعلام الموجه.
أعماله الأدبية والفكرية
لم يقتصر دور فايز فرح على العمل الإذاعي فقط، بل كان له اهتمامات أدبية وفكرية، حيث كتب العديد من المقالات التي تناولت قضايا ثقافية واجتماعية، وكان له إسهام في العديد من المنتديات الثقافية. كما كان فرح مهتمًا بالتوثيق لتاريخ الإذاعة المصرية، وقد حرص على تسجيل هذه المسيرة الحافلة عبر كتابات ومذكرات.
تكريمه وإسهاماته في الإعلام المصري
حصل فايز فرح على العديد من الجوائز والتكريمات على مدار مسيرته الإعلامية الطويلة، حيث تم تكريمه على مستوى محلي ودولي تقديرًا لإسهاماته في مجال الإعلام. وكان فخورًا بدوره كجزء من تاريخ الإذاعة المصرية، التي وصفها دومًا بأنها مؤسسة وطنية رائدة يجب الحفاظ عليها وتطويرها لتظل صرحًا إعلاميًا يعبر عن صوت الشعب.
رحيل فايز فرح وفقدان علم من أعلام الإذاعة
رحل اليوم الإذاعي الكبير فايز فرح عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من الأعمال الإذاعية التي ستظل محفورة في ذاكرة كل من استمع إليه أو تأثر ببرامجه. بوفاته، تخسر الإذاعة المصرية رمزًا من رموزها الذين شكلوا جزءًا من وجدان المصريين. لكن سيبقى صوته حيًا عبر الأثير، ليظل حاضرًا في قلوب كل من أحبوا إذاعته وبرامجه.
ختامًا، يعد فايز فرح مثالًا حقيقيًا للإعلامي المثقف الملتزم، الذي يعي تمامًا دور الإعلام في بناء المجتمع وتقديم رسائل هادفة. وفقدانه يمثل خسارة كبيرة للإعلام المصري، ولكنه سيظل دائمًا حاضرًا في وجدان الإذاعيين والمستمعين، رمزًا للصوت الذي يتحدث بلسان الناس ويفهم نبضهم.