في رسالة مؤثرة ومليئة بالعواطف الجياشة، كتبت الصحفية خيرية شعلان إلى زوجها الراحل، الصحفي الكبير رجائي الميرغني، لتوثّق من خلالها ذكريات حميمة غارقة في الحنين عن بدايات حياتهما معًا، وتسترجع لحظات طفولتها البريئة وعلاقتها بعروسة المولد، تلك الهدية التي كانت مجردة من أي شيء مادي، لكنها حملت في طياتها أعمق معاني الحب والتواصل الروحي.
وقالت شعلان إن أول عروسة مولد أهداها لها رجائي كانت تحمل ذكرى استثنائية خلال أول مولد نبوي يمر عليهما بعد خطبتهما. وأوضحت كيف كانت فرحتها لا توصف، رغم أنها تجاوزت سن التعلق بمثل هذه الهدايا الطفولية، إلا أن تلك العروسة كان لها وقع خاص ومميز. لم تكن مجرد قطعة حلوى، بل كانت هدية شخصية، تخصها وحدها دون أن تشاركها مع شقيقاتها، كما كان الحال في طفولتها. تلك العروسة لم تكن مجرد هدية عابرة، بل كانت رمزًا للعلاقة العميقة التي كانت تتشكل بينها وبين رجائي، حاملة في طياتها قيمة عاطفية لا تقدر بثمن، لتصبح جزءًا من ذكرياتها الأبدية.
وأضافت شعلان أن العروسة لم تكن مجرد حلوى، بل كانت بداية لمعركة لطيفة لكنها محملة بكم هائل من المشاعر. معركة مع والدتها التي كانت ترى في العروسة فرصة لتحويلها إلى طبق مهلبية لذيذ قبل أن يفسدها النمل. تصف شعلان كيف دافعت عن عروستها بكل حب وحنان، وكأنها تدافع عن حبها لرجائي، هذا الحب الذي كان مجسدًا في تلك العروسة الحلاوة. والدتها كانت ترى المسألة من منظور عملي بحت، لكن شعلان كانت ترى في العروسة رمزًا لرغبة عاطفية متأججة، حيث كانت هدية من رجائي، وكانت عازمة على حمايتها مهما كلف الأمر. ورغم كل محاولاتها للحفاظ على العروسة، عادت يومًا لتجد أن والدتها قد حولتها بالفعل إلى طبق مهلبية. هذا الموقف أثر في قلبها بعمق، لدرجة أنها رفضت حتى تذوق الطبق، وكانت تبكي فقدان العروسة وكأنها تفقد جزءًا من ذكرياتها مع رجائي.
ومع ذلك، فإن رجائي، بحنانه المعتاد، لم يتركها في حزنها، بل طيب خاطرها ووعدها بأنه سيجلب لها عروسة جديدة في كل مولد نبوي قادم، مؤكدًا أن الأهم من العروسة نفسها هو أن يكونا معًا، وأن الحب والذكريات هي التي تبقى. وكأن هذه الوعود كانت وسيلة لربط الماضي بالحاضر والمستقبل، حيث كان رجائي يصر على أن الحب بينهما لن يقتصر على هدية عابرة بل سيتجدد كل عام مع كل عروسة جديدة، ومع كل ذكرى جميلة يعيشانها معًا.
وأكدت شعلان أن هذه العادة الجميلة استمرت حتى بعد أن أنجبا أبناءهما سوسنة وحاتم، حيث كانا يعيشان طقوس المولد بشكل مختلف، ولكنهما حرصا على شراء العرائس الحلاوة لأطفالهما وأطفال العائلة، وكأنهما يعيدان إحياء الذكريات والحنين. كانت رحلاتهما إلى المناطق الشعبية مثل باب البحر والسيدة زينب بحثًا عن العروسة والحصان الحلاوة التقليديين تشكل جزءًا لا يتجزأ من طقوس العائلة، رغم صعوبة العثور على تلك العرائس مع مرور الزمن وتدهور صناعتها بسبب انتشار العرائس والحصان البلاستيك ودعاوي خطورتها على الصحة.
ونوهت شعلان إلى أن غلاء السكر كان له دور كبير في تقليص صناعة عرائس وحصان الحلاوة، مما أدى إلى أن الناس اكتفوا بحلويات المولد التقليدية، ومع ذلك كانت شعلان وزوجها متمسكان بالحفاظ على التقاليد، حيث رفضا إدخال العرائس والحصان البلاستيك إلى منزلهما. ذكرت شعلان بحب واعتزاز أن العروسة الحلاوة لها تاريخ طويل وعريق، يعود إلى عصر الفاطميين، بل وربطت تلك العادة بأسطورة إيزيس وأوزوريس في الحضارة المصرية القديمة، مما أضاف بعدًا تاريخيًا وروحيًا لهذه الهدية المتواضعة.
واختتمت شعلان رسالتها بتأكيدها أنها لم تستطع أن تحول أي عروسة مولد إلى مهلبية بعد تلك التي صنعتها والدتها، فقد أصبحت تلك العروسة رمزًا للحب الذي جمعها برجائي، وذكرياتها التي لا يمكن أن تمحى. كل عروسة مولد كانت تأتي كهدية من رجائي، كانت تشكل تجسيدًا للحب المستمر والذكريات الجميلة، وكانت خيرية تفضل الاحتفاظ بها كرمز لهذه العلاقة التي جمعت بين الحب والحنين والوفاء.