في دعوة وطنية حماسية لا تقل عن كونها رسالة للعالم، دعت الكاتبة الصحفية الكبيرة، خيرية شعلان، إلى إعداد فيلم عالمي يسرد القصة الملهمة للفتاة المصرية فيرينا، التي جسدت واحدة من أروع صور الحضارة المصرية وتأثيرها على أوروبا في عصور قديمة. فيرينا، التي علمت أوروبا أسس النظافة والتحضر والاتيكيت، انتقلت بسويسرا من حياة البربرية والهمجية إلى نمط حياة المصريين الراقي المتحضر.
ألا تستحق فيرينا المصرية فيلماً عالمياً؟
في حديثها، تساءلت شعلان، بلهجة مفعمة بالفخر والانتماء: “ألا تستحق هذه الفتاة المصرية العظيمة، التي خطّت اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ الحضارة، أن يُخلد ذكرها في فيلم يمجد بطولتها؟”. قصة فيرينا ليست مجرد قصة فتاة بل هي قصة مصرية تمثل حضارتنا العريقة التي كانت منبعًا للعلم والتقدم في وقت كانت فيه أوروبا تعيش في ظلمات البربرية. لقد كانت فيرينا أيقونةً للحضارة المصرية، وسفيرًا لعلومها وقيمها، وقد ساهمت في تغيير حياة شعب بأكمله في قلب أوروبا.
فيرينا: الطبيبة التي علمت أوروبا
وتضيف شعلان، متعمقة في سرد التاريخ المجهول لهذه البطلة المصرية: “فيرينا ابنة قرية قوص بصعيد مصر، غادرت موطنها في القرن الثالث الميلادي مع كتيبة حربية مصرية مؤلفة من 660 جنديًا، بناءً على طلب الإمبراطور الروماني لدعم جيوشه في إحدى حروبه. كانت الفتاة المصرية التي لم تتجاوز العشرين من العمر حينها، طبيبة ماهرة، ومعها مجموعة من الفتيات المصريات اللاتي عملن معها في القافلة الطبية، التي كانت تعتبر أول مثال على الرعاية الطبية المنظمة في ذلك الوقت”.
وواصلت شعلان شرح قصة هروب فيرينا بعد مقتل الجنود المصريين، وكيف استطاعت هذه الفتاة الصعيدية الهروب مع فتيات أخريات إلى جبال سويسرا. هناك، وجدت مجتمعًا بعيدًا كل البعد عن الحضارة، حيث عاش السويسريون في تلك الفترة حياة بدائية، تعاني من انعدام النظافة والفوضى. ومن هنا، بدأت فيرينا مهمتها الحضارية التي لا تقل عن كونها ملحمة إنسانية.
من البربرية إلى الحضارة المصرية
وعن تأثيرها، تقول شعلان: “علمت فيرينا السويسريين قواعد النظافة الشخصية، وأرشدتهم إلى ضرورة الزواج قبل الإنجاب كقاعدة أساسية للعفة والحفاظ على الأسرة. علمتهم كذلك قواعد الاتيكيت، وجعلتهم يتعلمون كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياة متحضرة، مثلما كان المصريون يعيشون في ذلك الوقت، وخاصة في صعيد مصر الذي كان يُعتبر منبعًا للعادات والتقاليد الراقية”.
ومع مرور الزمن، أصبح ما قدمته فيرينا جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السويسرية. تشير شعلان بفخر إلى أن سويسرا اليوم تحتفل سنويًا بفيرينا في شهر سبتمبر من كل عام، حيث يعتبرها السويسريون القديسة التي علمتهم أسس الحياة، وكيف يكون الإنسان راقيًا ومتحضرًا.
تمثال فيرينا: رمز الشكر والعرفان
توضح شعلان أيضًا أن السويسريين لم ينسوا أبدًا فضل هذه الفتاة المصرية، فأقاموا لها تمثالًا تجسيدًا لبطولتها، وهي تحمل في يدها اليمنى إبريقًا من الماء، وفي يدها اليسرى “الفلاية المصرية” الشهيرة التي استخدمتها لتنظيف الشعر وتمشيطه. بالنسبة للسكان المحليين، لم تكن فيرينا مجرد طبيبة، بل قديسة ساهمت في نقل شعب بأكمله من الظلمات إلى النور.
الفتاة المصرية التي غيرت مجرى التاريخ
واختتمت شعلان حديثها قائلة: “فيرينا لم تكن فقط طبيبة أو قديسة، بل رمزًا للحضارة المصرية، التي لا تزال آثارها تُشع على العالم. لقد تركت بصمتها ليس فقط على سويسرا، بل على تاريخ أوروبا ككل. فكيف يمكن للعالم أن يغفل عن قصة فتاة مصرية صعيدية استطاعت أن تنقل علوم وتقاليد أجدادها لتغير مصير شعب بأكمله؟”. وأضافت شعلان أن فيلمًا عالميًا عن فيرينا لن يكون مجرد تخليد لشخصيتها، بل سيكون رسالة للعالم بأسره حول دور مصر التاريخي في تشكيل حضارات الأمم، ودور المرأة المصرية في قيادة هذا التغيير.