المخرج المبدع حسين كمال، الذي يعد واحدًا من أبرز مخرجي السينما المصرية على مر العصور، قدم لنا مجموعة لا تُنسى من الأفلام التي دخلت قلوب الجمهور وخلدت في التاريخ. ولكن ما قد لا يعرفه البعض هو أن حسين كمال كان له دور كبير في صناعة واحدة من أعظم اللحظات في تاريخ المسرح المصري، وذلك عندما استطاع ببراعة وذكاء إقناع الفنانة الكبيرة شادية، الصوت الذي طالما سحرنا على الشاشة، بخوض أول تجربة مسرحية لها في مسرحية ريا وسكينة.
عندما بدأ حسين كمال في وضع تصوره الإخراجي لمسرحية ريا وسكينة، التي كانت تتناول قصة شهيرة من التاريخ المصري، كان عليه أن يختار من سيجسد الشخصيات الرئيسية. وأمام هذا التحدي، اتخذ قرارًا وصفه البعض بأنه “مجنون” أو “مغامرة غير محسوبة” عندما رشح شادية لدور “ريا”. كيف لا؟ وهي النجمة الكبيرة التي تربع صوتها وأعمالها على قلوب الجماهير لعقود، دون أن تخطو قدمها يومًا على خشبة المسرح.
اتصل حسين بشادية، وبدأ بعرض الفكرة عليها، لكن كان الرد حازمًا وصارمًا. شادية، التي كانت في قمة مجدها، ردت بشكل مباشر: “أنا مش حضحّي بتاريخي عشان المسرح.” تلك العبارة كانت كافية لجعل حسين كمال يدرك أن إقناع شادية بهذه الخطوة سيكون مهمة مستحيلة.
لكن حسين كمال لم يكن ممن يستسلمون بسهولة. كان يعرف أن أمامه مهمة شاقة، لكنه كان أيضًا يعرف شخصية شادية جيدًا. أدرك أنها عنيدة، ولكن في ذات الوقت لديها قلب طيب وحس مرهف بالفن. هنا جاءت الفكرة الذكية: إذا لم تقبل شادية الدور من البداية، فلماذا لا يدعها تقرأ النص وتدخل في تفاصيله بنفسها؟
قرر حسين أن يلجأ إلى حيلة بسيطة ولكنها محكمة. قال لشادية في المكالمة: “خلاص، لو مش حابة تعملي المسرحية، ما فيش مشكلة، بس أنا محتاج منك خدمة صغيرة. عايز رأيك في المشهد الأول بس. قريه وخبريني مين ممكن تشوفيها مناسبة للدور. رأيك يهمني كمبدعة وفنانة كبيرة.”
شادية، بحسها الفني العالي وذوقها الرفيع، وافقت على الطلب. بدأت تقرأ المشهد الأول، فأعجبت به، فقام حسين كمال بإرسال المشهد الثاني، ثم الثالث، وهكذا حتى قرأت النص بالكامل. ومع كل مشهد كانت تنغمس أكثر في التفاصيل، حتى وجدت نفسها مندمجة تمامًا في الأحداث.
بعد أن انتهت من قراءة النص، اتصلت بحسين لتبدي إعجابها الشديد بالمسرحية، وكان رد حسين سريعًا ومباشرًا: “أنا عارف إنك هتحبي النص، وده سبب إني مكنتش شايف حد غيرك يلعب الدور. إيه رأيك؟”
رغم أن شادية أعجبت بالنص، إلا أن الخوف كان يسيطر عليها. فشادية كانت نجمة السينما والغناء، وتملك جمهورًا ضخمًا يعشقها. لكنها لم تكن قد صعدت خشبة المسرح من قبل، وكانت تخشى أن تؤثر هذه الخطوة على شعبيتها الكبيرة. المسرح كان عالمًا جديدًا ومخيفًا بالنسبة لها.
عندما أعربت شادية عن خوفها، كان رد حسين كمال طمأنة خالصة، حيث قال لها: “حتى لو فشلتي، إنتِ هتفضلي شادية، نجمة السينما اللي الجمهور بيعشقها. لكن أنا اللي هتحمل الهجوم. الناس هتقول حسين كمال ضيع تاريخ شادية. أنا اللي هآخد الهجوم والرصاص بدالك.”
كلمات حسين كمال كانت كالسحر على شادية. شعرت بالطمأنينة والثقة، فقررت أن تخوض هذه المغامرة.
بعد أن وافقت شادية على خوض التجربة، بدأت التحضيرات للمسرحية. وما أن صعدت شادية على خشبة المسرح لأول مرة، حتى تحول خوفها إلى ثقة، وتحولت التجربة إلى واحدة من أنجح وأشهر المسرحيات في تاريخ المسرح المصري. ريا وسكينة لم تكن مجرد مسرحية، بل كانت تجربة استثنائية أثبتت فيها شادية أنها قادرة على إبهار الجمهور في كل مجال تخوضه.
وكانت شهادة الفنانة الكبيرة سهير البابلي، التي شاركت في المسرحية إلى جانب شادية، خير دليل على مدى تأثير هذه التجربة. قالت سهير: “شادية جابت جمهور جديد للمسرح. الجمهور ده جه مخصوص عشان يشوف شادية على خشبة المسرح لأول مرة، وده كان سبب من أسباب النجاح الكبير للمسرحية.”
مسرحية ريا وسكينة كانت أول وآخر تجربة مسرحية لشادية، لكنها كانت تجربة لا تُنسى. حسين كمال استطاع ببراعة أن يخرج من شادية طاقة جديدة، وأثبت أن النجوم الحقيقيين يمكنهم النجاح في أي مجال فني يخوضونه.
رحم الله حسين كمال وشادية وكل نجوم الفن الكبار الذين تركوا بصمة لا تُمحى في قلوبنا. تلك القصة هي تذكير دائم بأن الفن يتجاوز الخوف والقيود، وبأن الإبداع لا يعرف حدودًا.