المطران عطاالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس، يعد واحدًا من أبرز الشخصيات الدينية والوطنية الفلسطينية. على الرغم من كونه رجل دين مسيحي، إلا أن موقفه السياسي الداعم للقضية الفلسطينية كان دائمًا واضحًا، متجسدًا في خطاباته العلنية وتصريحاته النارية التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي وتدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ورغم أن المطران عطاالله حنا يعبر عن آراء متقاربة مع تلك التي تتبناها حركات مثل حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، والجهاد الإسلامي، والإخوان المسلمين، إلا أنه لا يُعتبر جزءًا رسميًا من هذه الحركات. لكنه يتقاطع معها في التوجهات الرافضة للاحتلال الإسرائيلي، ويعبر عن دعمه الصريح لحقوق الفلسطينيين الوطنية والدينية في وجه المخططات الاستيطانية والتهجير القسري.
الخلفية الشخصية والدينية:
المطران عطاالله حنا وُلد في مدينة القدس، ويُعرف بدفاعه الشرس عن حقوق الشعب الفلسطيني، سواء على المستوى الوطني أو الديني. وهو رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس، وهي إحدى أقدم الطوائف المسيحية في العالم، وتتمركز في القدس. هذا الدور جعله متحدثًا قويًا باسم المسيحيين الفلسطينيين، لكنه لم يقصر رسالته على الطائفة المسيحية فقط، بل كان دائمًا يدافع عن حقوق الفلسطينيين عمومًا، بغض النظر عن انتمائهم الديني.
عطاالله حنا هو رمز للوحدة الوطنية الفلسطينية، ويؤكد دائمًا على أن القضية الفلسطينية ليست قضية المسلمين وحدهم، بل هي قضية كل فلسطيني، مسيحيًا كان أو مسلمًا. هذه الرؤية جعلته في خط المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم، حيث يرفض التنازل أو المساومة على حقوق الفلسطينيين.
موقفه السياسي:
خطاب المطران عطاالله حنا يعتبر من الخطابات الأكثر حدة في نقده للسياسات الإسرائيلية، فهو لا يتحدث فقط عن الاعتداءات العسكرية المباشرة، بل أيضًا عن السياسات الاستيطانية والتهويد المستمر للقدس. وفي تصريحاته الأخيرة على حسابه في “فيسبوك”، كتب المطران:
“الدراسة في الخيام تحت النار … انقذوا اطفال غزة من هذه الكارثة.”
يبرز في هذا التصريح قلقه الشديد إزاء الأوضاع الإنسانية في غزة، معبرًا عن معاناة الأطفال والطلاب الذين يُضطرون لمواصلة تعليمهم وسط الحرب. وهو ينتقد بشكل واضح المجتمع الدولي والعربي على حد سواء، معتبراً أن:
“الانحياز الأمريكي لإسرائيل وحالة الوهن والضعف العربي هي التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه.”
تجاهل وسائل الإعلام:
المثير للدهشة أن تصريحات المطران عطاالله حنا، على الرغم من قوتها وشعبيتها بين الفلسطينيين، إلا أنها لا تحظى بالتغطية الإعلامية التي تتوقعها. فقد تلاحظ غياب تصريحاته عن وسائل الإعلام التابعة للحركات الإسلامية التي غالبًا ما تكون متحالفة مع خطابه، مثل قنوات “الجزيرة” و”العربية”. هذه القنوات، التي تعتبر منبرًا رئيسيًا لحماس والإخوان المسلمين، لم تستضفه أو تغطي خطابه بشكل مستمر.
هذا التجاهل الإعلامي يثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك موقف سياسي أو استراتيجي من تلك الوسائل الإعلامية تجاه شخصيات دينية مسيحية تتبنى خطابًا داعمًا لحركات المقاومة. المطران عطاالله حنا لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي بشكل رسمي، وهذا قد يجعله شخصية غير مريحة بالنسبة لبعض وسائل الإعلام التي تفضل استضافة شخصيات تتوافق تمامًا مع أجنداتها.
القضية الفلسطينية وحل الدولتين:
فيما يتعلق بحل الدولتين، فإن المطران عطاالله حنا يرى أن هذا الحل أصبح غير واقعي في ظل التطورات الراهنة. فيقول في إحدى تصريحاته:
“ماذا تبقى من مقولة حل الدولتين بعد كل هذا الدمار والخراب والخطاب العنصري.”
يشير هنا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يسعى إلى أي نوع من التسوية السياسية الحقيقية، وأن الخطاب السياسي العنصري المتزايد في إسرائيل يجعل من المستحيل تحقيق أي حل سلمي قائم على مبدأ تقاسم الأرض. وفي رأيه، فإن “حل الدولتين” كان دائمًا مجرد وسيلة للمماطلة والتهرب من الحلول الجذرية.
الفشل العربي والدولي:
يبرز المطران حنا في تصريحاته نقدًا شديدًا للدور العربي والدولي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فهو يرى أن ضعف الموقف العربي وتخاذل بعض الأنظمة عن دعم القضية الفلسطينية هو ما ساعد إسرائيل على الاستمرار في سياساتها العدوانية. ويعبر عن هذا بقوله:
“التنازل عن الحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية يفتح شهية التحالف الاستعماري المعادي لشعبنا.”
بالنسبة للمطران حنا، فإن التنازل أو القبول بحلول وسطى تفقد الفلسطينيين حقوقهم التاريخية هو أمر مرفوض تمامًا. وهو يشدد على أن كل محاولة للتسوية كانت في صالح الاحتلال وليس الشعب الفلسطيني.
غزة والقدس:
في تصريحاته الأخيرة، ركز المطران عطاالله حنا على معاناة غزة والقدس، حيث قال:
“غزة … مشروع احتلالي لتكريس الاحتلال والتهجير. أوقفوا الحرب!”
من الواضح أن المطران يرى في غزة نموذجًا للاستعمار الحديث، حيث يتم محاصرة الشعب وتجويعه من أجل إجباره على الهجرة وترك أرضه. هذه السياسة لا تختلف كثيرًا، في نظره، عن السياسة التي تتبعها إسرائيل في القدس، حيث يتم تهجير السكان الفلسطينيين بشكل مستمر.
ويضيف حنا:
“القدس في خطر أكبر بكثير مما كان عليه الوضع سابقًا. القدس أمانة في أعناقنا ويجب أن نحافظ عليها.”
هنا يؤكد المطران على أهمية القدس كمركز ديني وثقافي للشعب الفلسطيني، داعيًا الجميع إلى حماية المدينة من المخططات الإسرائيلية التي تسعى إلى تهويدها.
خاتمة:
المطران عطاالله حنا هو صوت قوي يعبر عن آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني، وهو يرى أن الحلول الدبلوماسية الفاشلة والسياسات الدولية المنحازة هي التي أوصلت الفلسطينيين إلى ما هم عليه الآن. ورغم تجاهل بعض وسائل الإعلام لتصريحاته، فإن رسالته تصل إلى كل فلسطيني يبحث عن الأمل في وجه الظلم والعدوان.