عندما يكون لدى أى منا صديق مثل عماد فى حياته، بما نحمله من تاريخ مشترك، وما نتمتع به من تفاهم، فقد يبدو ذلك أنها منحة، بينما تكشف تفاصيل العلاقة حتما كيف يكون الإختبار الإلهى فى أصعب صوره، حيث يبتليك الزمان بشخص يحمل كافة أنواع التعقيدات والتناقضات فى غلاف من الأخوة الصادقة والمحبة الخالصة، إلا أن صعوبة الإختبار تجعلك فى أغلب الأوقات تنقلب على صدق الأخوة وإخلاص المحبة فى سبيل التخلص من التقلب المزاجى، والإعتماد الغير مشروط، وعدم وجود معايير ثابتة للحكم على الأمور، وهى مسائل أقل مايطلق عليها بوصفنا الدارج ب”الجنان الرسمى”.
وبما أن عماد يعيش فى أوروبا، ولا يأت إلى مصر إلا على سبيل الإجازات وتمضية أوقات التقاعد، فمن أعراض الجنان الرسمى فإنه يعتبرنى مسئول عما يحدث فى مصر سواء من القرارات التى تصدرها الحكومة، نهاية بتعليقات الناس على منصات التواصل الإجتماعى، ومابين هذا وتلك من توجهات الرأى العام، ومن منطلق هذه المسئولية من وجهة نظر السيد عماد، فإننى ملتزم أمامه بشرح تلك القرارات، وما يحتاج منها من تبرير، وتفسير ما قد يقع من ردود أفعال للمواطنين يصعب على عماد فهمه بحكم عدم معايشته للواقع المصرى بشكل فعلى.
وعلى رأس هذه الموضوعات، قطع الكهرباء على سبيل تخفيف الأحمال، وهى مسألة كانت عويصة على تصور عماد الذى يعيش فى ألمانيا التى مر عليها حوالى 39 عام دون أى إنقطاع للكهرباء فى أى مرفق من المرافق، إلا أن ذلك لم يمنعه من التفلسف والإفتاء السياسى، وكانت حكمة السيد عماد نابعة من عدم رضاءه على الهجوم الضارى من المواطنين على الحكومة، وعبر عن غضبه لعدم تفهمهم للأوضاع القائمة، بسبب إضطرار الحكومة لذلك لإحداث نوع من التوازن بين توفير الطاقة المطلوبة لقطاع الكهرباء من ناحية، وتدبير العملة الأجنبية للوفاء بأعباء الديون الأجنبية من ناحية أخرى، فى الوقت الذى تلتزم فيه الحكومة بتعاقداتها الآجلة، فى ظل نقص الإنتاج من الغاز الخام الذى لم يعد يكفى الإحتياجات المحلية فى أوقات ذروة الإستخدام بالتوازى مع التصدير.
ومع إمتصاصى لموجة الهجوم الأولى للسيد عماد الذى أثبت لى أن الرؤية السياحية للواقع المصرى لا يمكن أن تشكل حكما واقعيا على ردود أفعال الناس وتعليقاتهم، فالموضوع جاء فى أيام عانى الناس من درجات الحرارة التى بلغت ذروتها، ووجاء فصل التيار بشكل متقطع ومبهم حيث لم تكن الحكومة قد صرحت به بعد، وهى مشكلة حكومية أزلية أن تتخذ الحكومة قرارات ثم تكتشف أنها مدينة للناس بالإعلان والتفسير بعد الهجوم الشعبى عليها، والحقيقة الأخرى أن الناس لم تكن تعبر عن غضبها من إنقطاع الكهرباء بشكل مجرد، وإنما كان تعبير عن غضب عمومى من الغلاء وصعوبة العيش، وكانت مسألة قطع الكهرباء المتكرر هو الفتيل الذى فجر طاقة الغضب من كافة الممارسات الحكومية غير المرضى عنها من عموم المواطنين.
وكان حل صد موجة هجوم عماد الثانية هو المبادرة بالهجوم المضاد، فسألته ماذا سيكون موقفه لو حدث ذلك وهو فى إحدى فترات زياراته لمصر أن توقف التكييف أو تعطل “الأسانسير”، مع الوضع فى الإعتبار أنه لايضمر غضبا داخليا لأنه لا يعانى من إرتفاع الأسعار بفضل إرتفاع سعر العملة الأجنبية، فى توقيت لم تحترم فيه حكومتنا المواطن إلا مؤخرا، ونشرت جدولا محددا لإنقطاع الكهرباء -حتى وإن لم تلتزم به- إلا أن ذلك خفف من حدة الغضب لشعور الناس بالإحترام، وهو أمر من الواجب مراعاته، لاستعادة جزء من الثقة التى أهدرت لصالح سياسات التجاهل والمفاجآت، التى تضعنى فى مواجهة غير مستحبة مع السيد عماد ومن شابهه.