في تقليد مصري أصيل، نحتفل بمناسباتنا الدينية بأساليب تعكس عمق تاريخنا وجذورنا الثقافية. منذ الفراعنة العظام، كانت النساء المصريات يتفنن في صناعة الحلوى احتفالاً بكل مناسبة، وورثنا عنهن هذه العادة الطيبة. ولذا، نجدها حاضرة في أعيادنا، الإسلامية والمسيحية، ونتبادل بها التهاني، ونعبر عن بهجتنا وسعادتنا وروح الفرح التي تبثها هذه الأطعمة الصغيرة، التي تأتينا في أطباق تحمل معها المحبة.
أمس، كانت احتفالية خاصة برأس السنة المصرية تنظمها مجموعة من أبناء كميت، أو “حراس الهوية المصرية”، وقررنا كحركة الدفاع عن الأزهر والكنيسة المشاركة معهم بصفة رسمية. واتفقنا مع عمنا المستشار الكبير وعالم المصريات الشهير سامي حرك، على أن يكون الاحتفال برأس السنة المصرية ورأس السنة القبطية التي تسير على نفس شهور السنة المصرية، بالإضافة إلى عيد النيروز أو الشهداء والمولد النبوي الشريف. ورأينا أنها فرصة لتجسيد الوحدة والتنوع الثقافي الذي يميزنا.
لكن، ككل احتفال، لم تخلُ المناسبة من بعض المفاجآت. خلال الفعالية، تفاجأنا بأحد القوميين المصريين المتطرفين يطلب المايكروفون، ويقول إنه من حركة لم نسمع عنها من قبل باسم “حركة حماة مصر”، ودعا هذا الرجل لطرد جميع اللاجئين المقيمين في مصر وإعادتهم إلى بلدانهم. وللأسف، كان بين الحضور أحد المثقفين السوريين الكبار الذين يعيشون بمصر، واحتدم النقاش بينهم، وكانت هناك سيدة فلسطينية من غزة هربت من جحيم الحرب لتقرر الإقامة في مصر.
كانت هذه الدعوة صادمة وغير متوقعة، مما سبب ارتباكًا بين الحضور والمنظمين. ولكن الأدبية والكاتبة الكبيرة بهيجة حسين القصاصة الرائعة كانت في مقدمة من تصدوا لهذه الفكرة، وقالت إن مصر حضن مفتوح لكل من يلجأ إليها، ورفضت هذه الدعوات الغريبة، وطلبت منه ومن فريقه الاندماج في أحد الأحزاب السياسية لتعلم فنون السياسة وخطابة الجماهير.
حاولت تهدئة الأوضاع، وطلبت الكلمة لأهنئ الحضور برأس السنة المصرية والقبطية وعيد الشهداء والمولد النبوي الشريف، وأؤكد لهم أن حركة الدفاع عن الأزهر والكنيسة اختارت الاحتفاء بأعيادنا بطريقتها الخاصة. فقد جاء أحد الحضور ببلح أحمر ووزعه على الجميع، وقلت أنا سأوزع الحلوى الخاصة بالمولد على الحاضرين من مسلمين وأقباط.
تميزت الاحتفالية بحضور الفنانة سها، رئيسة فرقة طبلة الست، التي قدمت للحياة الفنية المصرية عددًا من أغاني الفلكلور الرائعة. تمتاز هذه الأغاني بأنها تجلب إلى النفس والروح السعادة، وتعيدنا إلى أجواء الفرح والبهجة التي كنا نعيشها أيام الأفراح، وبخاصة أغنيتهم الأشهر بعنوان “شهور السنة المصرية”، التي تتحدث في كل مقطع من مقاطعها عن شهر من شهورنا المصرية، والأغنية موجودة على موقع اليوتيوب، وتخلق طاقة إيجابية، جرب أن تستمع إليها.
كما كان من بين الحضور مهندس الديكور الشهير إسحاق حنا، وأمين الجمعية المصرية للتنوير، المسؤول عن تراث الشهيد العظيم والمفكر الكبير فرج فودة، الذي قاوم طيور الظلام حتى اغتاله الإرهابيون. وكان حنا أحد المنظمين للاحتفالية، وسعد بقيامنا بالنشر في وسائل الإعلام مسبقًا للاستعداد للاحتفال، وأعرب عن امتنانه لتوزيع حلوى المولد، مما جعل الاحتفال أكثر تميزًا.
حضر أيضًا المثقف الكبير وعمنا الصحفي عبد الجليل الشرنوبي، رئيس تحرير جريدة “إخوان أون لاين”، الذي انشق عن التنظيم وكشف عن حقيقة الجماعة وفضحها أمام وسائل الإعلام. وكان برفقته ابنه، الفنان الشاب عبد الرحمن الشرنوبي، الذي يمتلك موهبة واعدة في الوسط الفني.
كان اكتشاف هذا اليوم الزميل الجميل أشرف عبد الشافي، الصحفي بجريدة الأهرام ورئيس تحرير موقع “فوديكا”. هذا الموقع الثقافي الثري دائمًا ما يثير الدهشة ويقدم معلومات قيمة في النقد الثقافي، وأضاف عبد الشافي خلال الحفل لمسة من الفكاهة والحب على الحضور، وكان قريبًا من كبار المثقفين والنقاد الموجودين في اليوم.
لم يغب عن الاحتفال زميلنا سيد مصطفى من وكالة أنباء الفرات، الذي حضر لتغطية الفعالية. على الرغم من أنه ضل الطريق في البداية، إلا أنه أصر على اللحاق بنا، مما أضاف طابعًا مغامرًا إلى الاحتفال.
قدمت أيضًا شباب وطلائع الحركات الثقافية المصرية عرضًا فنيًا عن وصايا ماعت التي سبقت الأديان، وقدمه الشباب على سطح المركب، مما أضفى لمسة مميزة على الاحتفال.
وخلال الفعالية، التقيت بالزميلة الصحفية فاطمة ناعوت، وناقشنا عدة قضايا تتعلق بالمهنة وأوضاع الصحافة المصرية. وكانت جلسة ممتعة وثرية مع زميلة مثقفة وراقية، وتملك الكثير والكثير.
في ختام الاحتفال، اخترت أن أقدم مع زميلتي فاطمة ناعوت رسالة باسم حركة الدفاع عن الأزهر والكنيسة، وهى حلوى المولد التى وزعت مع البلح الأحمر على الحضور، كرمز لمشاركتنا في الاحتفاء بأعيادنا الجميلة.
مر الاحتفال كانّه لحظة تعبير عن فرحنا وهويتنا الثقافية، وتجسيدًا لروح الوحدة والتنوع التي تجمعنا جميعًا.