منذ السابع من أكتوبر 2023، تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بلا هوادة، حتى دخلت شهرها الثاني عشر، حيث يكاد القطاع الصامد الذي يعيش تحت حصار بلا نهاية، في هذا الصراع الذي تظهر فيه وحشية إسرائيل التي تسعى بلا رحمة إلى تدمير قطاع غزة وإخضاع سكانها، بينما تصمد المقاومة الفلسطينية بكل شجاعة وإصرار. ووتتركز المفاوضات على تبادل الرهائن، تواصل المقاومة مطالبها العادلة بوقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي الكامل.
إسرائيل تنفذ استراتيجية تسعي الي لتدمير الشامل
إسرائيل، بقيادة حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، لا تخفي نواياها الحقيقية تجاه غزة. هذه الحرب ليست مجرد حملة عسكرية؛ بل هي مخطط واضح المعالم لتدمير القطاع بشكل ممنهج، بحيث يصبح غير صالح للعيش، وتفريغه تدريجيًا من سكانه.
هذه الاستراتيجية تعتمد على استهداف المدنيين بشكل خاص، حيث بلغت أعداد الشهداء أكثر من 41 ألف شهيد، وعلي رأسهم النساء والأطفال. هؤلاء الأطفال، الذين ترى إسرائيل فيهم “خطرًا مستقبليًا” لكونهم يشكلون نواة المقاومة القادمة، يُقتلون بدم بارد في إطار سياسة الإبادة الجماعية.
عزيمة المقاومة الفلسطينية لا تنكسر
رغم كل ما تواجهه غزة من دمار وقتل، تواصل المقاومة الفلسطينية ضرباتها ضد الاحتلال. وأظهرت “حركة حماس” وبقية الفصائل قدرة كبيرة على الصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية المتفوقة تقنيًا وعسكريًا. هذا الصمود لا يعبر فقط عن قوة عسكرية، بل عن إيمان بعدالة القضية الفلسطينية، التي يقف وراءها كل فلسطيني في غزة.
المقاومة ليست مجرد رد فعل على العدوان، بل هي تعبير عن رفض الاحتلال والظلم، واستمرارها يُثبت فشل إسرائيل في إخضاع الشعب الفلسطيني. ورغم الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها غزة، إلا أن الخسائر الإسرائيلية أيضًا في تزايد، مما يعمق الانقسامات داخل الكيان الصهيوني ويزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو التي تواجه معارضة داخلية متنامية.
التحالف الأمريكي لإسرائيل لا يتزعزع
من أكثر الجوانب المزعجة في هذا الصراع هو الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل. هذا الدعم يتجاوز المعايير الإنسانية والسياسية، ويصل إلى مستوى الانحياز الكامل ضد كل ما هو فلسطيني. الولايات المتحدة تُمد إسرائيل بالسلاح والمال، وتوفر لها الغطاء السياسي في المحافل الدولية.
اللوبي الصهيوني في واشنطن يسيطر على قرارات السياسة الخارجية الأمريكية، ويمنع أي محاولة جادة للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها. بهذا الدعم الأمريكي المطلق، تتجدد مأساة الفلسطينيين في كل يوم، وتتواصل الحروب بلا نهاية. وعلى الرغم من الحديث عن مفاوضات سلام وحل الدولتين، إلا أن الانحياز الأمريكي يجعل هذه الحلول مجرد شعارات فارغة.
التخاذل الدولي
بينما تُباد غزة أمام أعين العالم، يقف المجتمع الدولي عاجزًا أو متواطئًا. القرارات الأممية التي تطالب بوقف إطلاق النار لا تتعدى كونها أوراقًا لا قيمة لها على أرض الواقع. العديد من الدول الكبرى تتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بنظرة براغماتية، حيث تفضل الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وعلى الصعيد العربي، لا تختلف الصورة كثيرًا. باستثناء بعض التصريحات المنددة، لا نشهد تحركات جادة من الدول العربية لدعم غزة أو لوقف هذا العدوان. الكل مشغول بفتح المعابر لإدخال المعونات والمساعدات، متناسين أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى دعم سياسي وعسكري لاستعادة حقوقه، وليس فقط لتخفيف معاناته.
النزوح الإسرائيلي علامة ضعف
في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل حربها على غزة، تشهد داخل الكيان الصهيوني موجة نزوح كبيرة. أكثر من مليون إسرائيلي غادروا البلاد منذ بداية الحرب، في إشارة واضحة إلى حالة الهلع وعدم الاستقرار التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي. هذه الموجة من الهجرة تُظهر أن المشروع الصهيوني بات مهددًا من الداخل، وأن استمرار العدوان على غزة لن يجلب للإسرائيليين الأمان أو الاستقرار الذي يطمحون إليه.
احتمالات نشرب حرب إقليمية
من الواضح أن الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل دون أن تتوسع دائرته. المقاومة في غزة ليست الوحيدة التي تواجه الاحتلال، فهناك جبهات أخرى قد تفتح في أي لحظة. التصعيد في الجنوب اللبناني، حيث تواصل “حزب الله” استعداداته، يشير إلى احتمالية اشتعال حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط. هذا إلى جانب التوترات المستمرة بين إسرائيل وسوريا وإيران، مما قد يؤدي إلى انفجار واسع النطاق يغير معادلات القوة في المنطقة.
غزة والانهيار الاقتصادي العالمي
الحرب على غزة تأتي في وقت يشهد فيه العالم أزمات اقتصادية خانقة، بدأت مع انتشار فيروس كورونا في أواخر عام 2019، وتفاقمت مع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. هذه الأزمات الاقتصادية العالمية تضيف طبقات جديدة من التعقيد إلى الصراع في غزة، حيث أن الضغوط الاقتصادية تزيد من ضعف الدول الكبرى عن التدخل بحزم لوقف الحرب.
خاتمة
الصراع في غزة ليس مجرد صراع محلي بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بل هو جزء من صراع أعمق على العدالة والكرامة الإنسانية.
غزة تمثل رمزًا للمقاومة في وجه الاحتلال والظلم، ورغم كل المعاناة، لا تزال صامدة ومقاومة. في المقابل، إسرائيل، المدعومة من القوى الكبرى، تستمر في عدوانها بلا هوادة، محطمة كل القوانين والأعراف الدولية.
اللواء نبيل صادق
وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق والخبير في الدراسات الإسرائيلية